Saturday, April 22, 2017

الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (العزيز الحكيم)



الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله (العزيز الحكيم):
الآيات :
 اقترن هذان الاسمان في أواخر الآيات من سورة البقرة في ستة مواضع في الآيات الآتية:-
1- (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(.
2- ( فإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
3- (فِي الدُّنْيَا وَالآخرة وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
4- (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم).
5- (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
6- (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) .
معنى اسم الله ( العزيزوالحكيم):
العزيز : العزُّ خلاف الذل ، وهو في الأصل القوة والشدة والغلبة. والعِزُّ والعزةُ الرفعة والامتناع، قال الزجاج : العزيز هو الممتنع الذي لا يغلبه شيء، وقال غيره : هو القوي الغالب، وقيل: هو الذي ليس كمثله شيء. واختلفت أقوال العلماء في معنى اسم (العزيز) وحاصلها ما يلي : -
1- المنيع الذي لا يرام.
2- القاهر الذي لا يغلب.
3- القوي الشديد.
4- نفيس القدر الذي لا يعدله شيء.
       وعزة الله سبحانه وتعالى تجتمع فيها كل هذه المعاني المذكورة .
الحكيم : 
على وزن فعيل بمعنى فاعل، ويأتي بمعنى مفعل أي محكم من الإحكام وهو الإتقان. والحكيم من الحكمة وهي وضع الشيء في موضعه.
وقال الحليمي: معنى الحكيم الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب، وإنما ينبغي أن يوصف بذلك لأن أفعاله سديدة، وصنعه متقن، ولا يظهر العمل المتقن السديد إلا من حكيم. .
الحكمة والمناسبة في اقتران اسم الله ( العزيز والحكيم):
      تختلف مناسبة اقتران الاسمين من آية إلى أخرى، ففي الآية الأولى جاء اقتران  الاسمين على لسان إبراهيم عليه السلام في دعائه لربه تعظيماً وإجلالا، فذكر اسم (العزيز) إشعاراً بقدرة الله سبحانه وتعالى على تحقيق مطلوبه، وذكر (الحكيم) تفاؤلاً بتحقيق الخير من الله  سبحانه وتعالى لن يفعل بذريته إلا ما هو خير، وفي هذا يقول الطبري في تفسيره لهذه الآية: ((إنك يا رب أنت العزيز القوي الذي لا يعجزه شيء أراده، فافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك. والحكيم: الذي لا يدخل تدبيره خلل ولا زلل، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك)).
ويقول ابن سعدي : كما أن بعثك لهذا الرسول فيه الرحمة السابغة، ففيه تمام عزتك، وكمال حكمتك، فإنه ليس من حكمة أحكم الحاكمين أن يترك الخلق سدى هملا، لا يرسل إليهم رسولا، فحقق الله حكمته ببعثته خاتماً، كما حقق حكمته ورحمته ببعثة إخوانه المرسلين من قبله. لئلا يكون للناس على الله حجة. والأمور كلها : قدريها، وشرعيها، لا تقوم إلا بعزة الله، ونفوذ حكمه.
      والآية الثانية جاء اقتران الاسمين فيها للتهديد والوعيد لمن عدل عن الحق بعد ما تبين له، فإن العزيز الحكيم إذا عصاه العاصي عن علم، قهره بقوته، وعذبه بمقتضى حكمته، فإن من حكمته تعذيب العصاة والجناة. يقول ابن كثير في هذه الآية : ((وقوله (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) أي عدلتم عن الحق بعدما قامت عليكم الحجج فاعلموا أن الله عزيز أي في انتقامه لا يفوته هارب ولا يغلبه غالب، حكيم في أحكامه ونقضه وإبرامه. ولهذا قال أبو العالية وقتادة والربيع بن أنس: عزيز في نقمته حكيم في أمره. وقال محمد بن إسحاق: العزيز في نصره ممن كفر به إذا شاء الحكيم في عذره وحجته إلى عباده)).
       وقال الطبري في تفسيره : ((فإن أخطأتم الحق، فضللتم عنه، وخالفتم الإسلام وشرائعه، من بعد ما جاءتكم حججي وبينات هداي، واتضحت لكم صحة أمر الإسلام بالأدلة التي قطعت عذركم أيها المؤمنون، فاعلموا أن الله ذو عزة، لا يمنعه من الانتقام منكم مانع، ولا يدفعه عن عقوبتكم على مخالفتكم أمره ومعصيتكم إياه دافع، حكيم فيما يفعل بكم من عقوبته على معصيتكم إياه بعد إقامته الحجة عليكم، وفي غيره من أموره)).
      ويقول ابن سعدي : لم يقل الله : فعليكم من العقوبة كذا وكذا، بل قال )فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( أي فإذا عرفتم عزته، وهي قهره وغلبته، وقوته وامتناعه، وعرفتم حكمته، وهي وضع الأشياء في موضعها، وتنزيلها محالها، أوجب لكم ذلك الخوف من البقاء على ذنوبكم وزللكم، لأن من حكمته معاقبة من يستحق العقوبة : وهو المصر على الذنب مع علمه، وأنه ليس لكم امتناع عليه، ولا خروج عن حكمه وجزائه، لكمال قهره وعزته. 
       واقتران الاسمين في الآية الثالثة لبيان أن الله سبحانه وتعالى قادر على أن يضيق عليكم ولكن حكمته سبحانه لم تقتض ذلك، بل شرع لكم كل ما هو محكم ومتقن، ويقول الطبري في تفسير الآية : ((إن الله عزيز في سلطانه لا يمنعه مانع مما أحل بكم من عقوبة، لو أعنتكم بما يجهدكم القيام به من فرائضه، فقصرتم في القيام به، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله هو، لكنه بفضل رحمته منَّ عليكم بترك تكليفه إياكم ذلك، وهو حكيم في ذلك لو فعله بكم، وفي غيره من أحكامه وتدبيره لا يدخل أفعاله خلل ولا نقص ولا وهن ولا عيب،لأنه فعل ذي الحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور، فيدخل تدبيره مذمة عاقبة، كما يدخل ذلك أفعال الخلق لجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختيارهم فيها ابتداء)).
      وفي الآية الرابعة اقترن الاسمان لبيان أن الله سبحانه وتعالى عزيز في انتقامه ممن عصاه وخالف أمره حكيم في أمره وشرعه وقدره.
     يقول الطبري في هذه الآية : ((عزيز في انتقامه ممن خالف أمره، وتعدى حدوده … حكيم فيما دبر في خلقه، وفيما حكم وقضى بينهم من أحكامه )).
       واقتران الاسمين في الآية الخامسة فيه التهديد والوعيد لمن خالف شرع الله المحكم، وفي هذا يقول الطبري : وأما قوله: )والله عزيز حكيم( فإنه يعني تعالى ذكره: والله عزيز في انتقامه ممن خالف أمره ونهيه وتعدى حدوده من الرجال والنساء، فمنع من كان من الرجال نساءهم وأزواجهم ما فرض لهن عليهم في الآيات التي مضت قبل: من المتعة، والصداق، والوصية، وإخراجهن قبل انقضاء الحول، وترك المحافظة على الصلوات وأوقاتها، ومنع من كان من النساء ما ألزمهن الله من التربص عند وفاة أزواجهن عن الأزواج، وخالف أمره في المحافظة على أوقات الصلوات (حكيم) فيما قضى بين عباده من قضاياه التي قد تقدمت في الآيات قبل قوله. )ولله عزيز حكيم( وفي غير ذلك من أحكامه وأقضيته.
       وقال ابن سعدي في الآية الخامسة : وختم الآية بهذين الاسمبن العظيمين، الدالين على كمال العزة، وكمال الحكمة، لأن هذه أحكام صدرت عن عزته، ودلت على كمال حكمته، حيث وضعها في مواضعها اللائقة بها.
      وفي الآية السادسة اقترن الاسمان لبيان قدرة الله سبحانه وتعالى ورحمته، وفي هذا يقول ابن كثير رحمه الله تعالى : (واعلم أن الله عزيز حكيم) أي عزيز لا يغلبه شيء ولا يمتنع منه شيء وما شاء كان بلا ممانع لأنه القاهر لكل شيء حكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره.
      والخلاصة، أن اقتران (العزيز الحكيم ) في الآيات السابقة جاء بمناسبة الدعاء إجلالا لله وتعظيماً، وإشعاراً بقدرته على تحقيق المطلوب، وتفاؤلاً بحصول الخير، فإن ذلك من حكمة الله سبحانه وتعالى. كما جاء اقتران الاسمين بمناسبة ما جاء من أمر الله وشرعه المحكم الذي لا نقص فيه ولا خلل، وأن الله سبحانه وتعالى مقابل هذا الإحكام في شرعه وأمره قادر على الانتقام ممن خالف ذلك، لا يغلبه غالب، ولا يفوته هارب.
المصادر والمراجع:
 - ابن منظور ،لسان العرب.  
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
-الخطابي، شان الدعاء. 
 - جامع البيان للطبري . 
- القواعد الحسان لتفسير القرآن. 
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير. 
-  تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان . 

No comments :

Post a Comment