Saturday, January 9, 2016

واجب المسلم تجاه قيادته وقادته في الإسلام



واجب المسلم تجاه قيادته وقادته في الإسلام:
كما أوجب الإسلام على القائد العناية والاهتمام والرعاية بجنوده ومقاتليه وإعدادهم الإعداد السليم من جميع جوانب حياتهم ، فكذلك أوجب عليهم واجبات مقدسة ومهمة تجاه قادتهم ورؤسائهم تعبر عن مدى الاحترام والتقدير لهذا الشخص الذي يبذل الجهود المضنية لإعداهم وتأهيلهم وتربيتهم التربية السليمة الصحيحة نفسيا وبدنيا .
لذا فقد رتب عليهم حقوق وواجبات نستطيع ان نجملها بما يلي :
أولا:السمع والطاعة (لا سمع وطاعة عمياء،بل مرتبطة بقواعد ومنها عدم إهمال العقل و ألا تكون مخالفة للشرع الإسلامي):
    إن أهم ما يميز العمل العسكري هو الطاعة واحترام الأوامر الصادرة من القادة والتي يجب على الجندي الالتزام بها والامتثال لها ،إذ بغير السمع والطاعة لا يمكن أن يستقيم الضبط والربط(الضبط والربط :مصطلح عسكري يشير الى الحالة العقلية ومقدار التدريب الذي يجعل الطاعة والسلوك السليم أمورا غريزية في جميع الظروف والأحوال) وتسود الفوضى وتتداخل الواجبات ويعم الاضطراب في أرجاء المؤسسة العسكرية ، وهذا السلوك الإيجابي يجب أن ينمو في نفس الجندي حتى في غياب الرقابة عليه ليصبح حاجة ذاتية تلقائية يقوم بأدائها في جميع المواقف والظروف .
وتنبت هذة الصفة في الإنسان العسكري من خلال قناعته بقادته وقيادته والمبادئ التي عنها يقاتل عنده يتولد الدافع الذاتي في نفسه بشكل عفوي وتلقائي ،  قال الله الواسع :" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " ،وقال النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" اسمعوا وأطيعوا وان ولي عليكم عبد حبشي كان رأسه زبيبة ".
هذه الطاعة مقيدة بقول النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
 فإن أمرك رئيسك أو ملكك أو قائدك بعمل فيه معصية لله تعالى فلا طاعة، كأن يأمرك بقتل إنسان بريء ،أو يأمرك بالتوقيع على فتح محل دعارة، أو أمرك بسجن شخص ثبتت برائته، أو أمرك بإلصاق تهمة في إنسان، فكل هذه الأوامر وأشباهها لا طاعة فيها لأنها معاصي.
هذا وقد وضع الإسلام أسس عظيمة لبناء الانضباط في نفوس أتباعه ومقاتليه وجنده  نستطيع أن نوجزها بما يلي :
1. الحرية :
ركز الإسلام على هذا المبدأ وقرره في نصوص قرآنية ونبوية  كثيرة واعتبره الركيزة الأساسية لبناء شخصية الإنسان وكرامته ؛لأنه بغير الكرامة والشخصية القوية يبقى الإنسان ضعيفا لا يقوى على الانضباط والالتزام بأي شيء مهما كان .
والتحرر في الإسلام مبدأ له من القداسة الشيء الكثير؛ فقد جعله في كل الشؤون والأحوال ، فالتحرر من سلطان الخوف على الرزق والأجل ، والتحرر الفكري والعقلي ، والتحرر من العبودية لغير الله ، والتحرر من التفاخر بالأنساب والقبائل على حساب الانتماء للدين ... ،كلها حريات تصقل شخصيه الإنسان وتنمي فيها الكرامة الانسانيه التي تعمل على ضبط سلوكها وتطويعها لما يخدم الدين.
والانضباط العسكري لا يأتي إلا إذا  شعر الإنسان بكرامته وحريته ،لأن الإنسان متى شعر أنه يساق للأمور سوقا كالدواب فإن ذلك لا يخلق منه مقاتلا شجاعا يحمل رسالة ، ولا مفكرا يحمل مشعل العلم والهداية  ولا بطلا مغوارا في ساحة القتال ، ولا قائدا له دور في قيادة أمته إلى سواء السبيل  ،بل إن الإذلال سيصنع منه شخصا متخاذلا جبانا خوارا لا يقوى على شيء ،فالحرية في الإسلام هي المرتكز الأساسي لصناعة الكرامة الانسانية التي هي أساس الانضباط في السلوك وهي حق من حقوقه التي أقرها الإسلام قبل أن تقرها المواثيق والشرائع الدولية .
2.الثقــــــة :
    إن زرع الثقة في نفوس الجنود والمرؤوسين يولد لديهم الشعور بقدرتهم على تحمل المسؤولية وتحمل المسؤولية يولد الشعور لدى الإنسان بأن عليه الانضباط والالتزام ، ويدفعه إلى التقيد بالأوامر والتعليمات حتى في غياب القائد أو غياب الأوامر وانقطاع الاتصال بينه وبين قيادته في ساحة المعركة ويدفعه إلى اتخاذ القرار الحكيم الصائب الذي فيه مصلحته ومصلحه من يقود.
 وقد طبق النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هذا المبدأ في مواقف كثيرة وقد كان له الأثر الأكبر في صناعه جيل من القادة الشجعان الأقوياء الحكماء الذين أسهموا في صناعه تاريخ مجيد وبناء دوله الإسلام التي سطع نورها في كل أرجاء المعمورة بوقت قياسي وشهد لهم الأعداء قبل الأصدقاء بحسن التصرف وبفضائل الأخلاق ، حيث لم تكن قوتهم إلا دافعا لهم ليحسنوا التصرف مع أهل البلاد التي فتحوها مما دفع بهم لان يدخلوا في دين الله أفواجا وذلك لما لمسوه من حسن الخلق ولباقة التصرف .
أمثال: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان،وأبو عبيدة عامر بن الجراح وغيرهم الكثير.
3.القـــدوة :
عندما يكون القائد مطيعا للأوامر التي تصدر له ممن هو أعلى منه فإنه يشكل قدوة حسنة ومثلا أعلى لمرؤوسيه ليطيعوا أوامره ويلتزموا بما يصدر إليهم من تعليمات ، ولا يصنع الضبط والطاعة بين الجنود إلا عندما يكون قائدهم مطيعا ملتزما عندها لا يجرؤ أحد منهم على التطاول على الأوامر والتعليمات فيسود النظام والالتزام ويصبح الجند كلهم كخليه النحل يطبقون السمع والطاعة كجزء لا يتجزأ من حياتهم اليومية ،قال تعالى :" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " .
وهذا ما حصل مع خالد بن الوليد لما أطاع أمر الخليفة عمر بن الخطاب بالتنحي عن منصب قائد الجيش لأبي عبيدة عامر بن الجراح.
4.تنميه الوازع الديني في النفوس :
لم يعتمد الإسلام في بناء مبدأ الطاعة على القهر والقوة وسوق الناس إلى ساحة الوغى  والحرب والقتال كما تساق البهائم ، بل جعلها قوة ذاتية تنبع من ضمائرهم.
 لذا فان الإسلام وبتربيته الدينية السليمة يمنح الإنسان القدرة والقوة الداخلية على الانضباط والطاعة وحسن التصرف والالتزام بما يطلب منه في غير معصية الله،وضميره الداخلي هو الذي يدفعه إلى استشعار عظمة خالقة في كل وقت وحين؛ ويشعر أن الله مطلع عليه ومراقب له ؛هاجسه في ذلك قول النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" ان تعبد الله كأنك تراة فان لم تكن تراة فانه يراك ".
5.إتقان العمل والإخلاص فيه :
  قاعدة الإسلام العظيمة في هذا المجال هي حديث النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:"إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" وله في ذلك الأجر والثواب الجزيل من رب العالمين.
ولهذا الخلق ثمرات يجنيها من يلتزم به ويطبقه:
أنها تنمي في نفسه بأنه مراقب من قبل الله في سره وعلنه ،وأن الله مطلع على كل عمل يقوم به مما يدفعه إلى الإخلاص والانضباط في السلوك والتصرف فتستقيم أعماله وتنضبط سلوكياته من حيث لا يشعر؛ لأنه يدرك أن الله يراه ويراقبه ويسمعه وينظر إليه، هاجسه في ذلك قول الله الودود:"ومن أوفى بما عاهد الله عليه فسيؤتيه أجرا عظيما " .
ان الأخلاقيات السالفة الذكر هي أساسيات بناء الانضباط والطاعة في نفس الجندي المسلم ، طاعة مبنية على الاحترام المتبادل بين الرئيس والمرؤوس، طاعة تسودها أخلاقيات الإسلام العظيمة من احترام للكرامة وللنفس والعرض والمال .
طاعة ليس فيها تسلط او تجبر او تعالي او خيلاء على الآخرين ، طاعة ليس فيها تكبر القائد على جنده بل هي تشارك وتعاون في حمل المسؤولية للوصول الى الأهداف النبيلة.
إنها طاعة ليست عمياء مستسلمة بل هي طاعة مبنية على الوعي والثقة بالقائد وبقدرته وبنفاذ بصيرته.
 ان أسس الطاعة المذكورة أعلاه  قد يصعب أن تبرز إلى حيز التنفيذ والوجود إذا لم يصاحبها التدريب العملي على الانضباط والطاعة حتى تصبح عادة من عوائده  وجزءا من سلوكه اليومي يصعب عليه أن يتخلى عنه .
ثانيا :المناصرة والتأييد :
من حقوق القيادة على الأتباع هي المناصرة والدعم والمؤازرة والتأييد؛وخاصة إذا ما كانت تقود الناس بما يرضي الله ورسوله وتقيم فيهم حكم الله وشرعه وتقوم بواجباتها تجاه الأفراد خير قيام وبما يخدم مصالحهم وأمورهم المعاشيه والحياتية،وتدفع عنهم الأخطار والعاديات،وتتراوح صورة التأييد والمؤازرة بين المشاركة الوجدانية،والمناصرة باللسان من خلال الكلمة الصادقة التي تشد من أزر القيادة وترفع معنوياتها وتقوي صمودها في وجه المخاطر والتحديات التي تواجهها ، وقد تكون بالتضحية بالمال والنفس دفاعا عن الأوطان والأعراض.
 وفي الإسلام فإن الجندي المخلص هو الذي يمارس كل هذه الصور مجتمعه كواجب عليه تجاه قيادته ووطنه وأمته مقابل ما قدمته له من جهد وتضحيات.
ثالثا:النصح والإرشاد :
  إن قاعدة الإسلام هي أن "الدين النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين لائمتهم وعامتهم"،فهي واجب كل مسلم لديه القدرة والامكانية عليها.
وللنصيحة أهمية كبرى وفوائد جمة وثمرات تظهر آثارها على المجتمع المسلم في حال تم تطبيقها بالطرق الصحيحة واستخدمت فيها الوسائل السليمة،لأن تعطيل النصيحة تؤدي الى وقوع المجتمع المسلم فريسة للتفكك والفوضى واختلاط الأمور على الناس.
ولا شك أن إقامة النصيحة وتأديتها يوحد صف الأمة ويدلها على الرأي الاصوب والأرشد ويشد من أزرها.
 وقد ربى النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام جنده على القدرة على قول الحق والنصح للحاكم بل أنها واجب عليهم تجاه قيادتهم مما جعلهم  يمارسوها بكل جراءة وكفاءة .
 فأبو بكر الصديق يخطب الناس ويدعوهم الى نصحه وإرشادة إلى الحق " أيها الناس إني قد ووليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني ، الصدق أمانه والكذب خيانة ،......أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ...... ".
إن الإسلام فتح باب النصح والمشورة ليكون متاحا لكل فرد منهم مهما كان موقعه في المجتمع ومهما كان مركزه الاجتماعي وضيعا ،مقتدين في ذلك برسولهم وقائدهم العظيم الذي كان دستوره في ذلك هو كلام رب العالمين ودعوته له بأن ينصح الناس ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة، "ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة".
هذه هي واجبات الجندي المسلم تجاه قيادته، فكما يطلب منها الحقوق فعليه تجاهها الواجبات  التي لا يجوز له أن يتخلى عنها او يتقاعس بأدائها لأنها واجب شرعي  يؤثم  إن قصر بأدائه، مبتغيا  في ذلك المصلحة العامة التي تخدم الأمة وتنهض بها بين الأمم .
المصادر والمراجع:
-محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- هايل طشطوش ، حقوق الإنسان بين الفكر الإسلامي والتشريع الوضعي ، دار الكندي ،اربد ،الأردن ،2007.
- توفيق سلطان اليوزبكي،دراسات في النظم العربية الاسلاميه،جامعه الموصل ،1988.
- حامد صادق قنيبي، الكون والإنسان في التصور الإسلامي ، مكتبة الفلاح ، الكويت ،1980.
- محمد البهي ، الدين والحضارة الإنسانية ،دار الفكر ، بيروت ، 1974.
- اسحق احمد الفرحان ، التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة ،دار الفرقان ، 1983.
- محمد كامل حسن المحامي ، الحضارة في القران الكريم ، المكتب العالمي للطباعة والنشر ، بيروت ، 1992.
- هايل عبد المولى طشطوش،أساسيات في القيادة والإدارة النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة ،دار الكندي،الطبعة الأولى 2008

No comments :

Post a Comment