Friday, January 8, 2016

نظرة الإسلام والأسس التي اعتمدها لبناء الإنسان(أسس بناء الصحة العقلية في الإسلام)



نظرة الإسلام والأسس التي اعتمدها لبناء الإنسان(أسس بناء الصحة العقلية في الإسلام):

تكمن روعة وجمالية الإسلام في أنه راعى مصالح الإنسان، ونظر إليه نظرة تليق به كأفضل مخلوق ، له ميزاته وخصائصه التي استوجبت جعله في أرفع مقام وأعلى مكانة بين المخلوقات.

كما أن الإسلام ينظر للإنسان كائن له عقل يفكر به، لذلك دعاه للتفكير وأعطاه حرية الكر كما أعطاه حرية التعبير، وقد سبق الأنظمة الحديثة في تأمين حرية الفكر والتعبير للإنسان.

وفي هذا الموضوع سنتكلم عن نظرة الإسلام وأسس بناء الصحة العقلية في الإسلام.

أسس بناء الصحة العقلية في الإسلام:

1.التفكر والتفكير :

إن العقل ينضج ويتطور وإن الفكر تتسع مداركه وتزداد قدراته على الحفظ والتدبر والتأمل من خلال زيادة التفكير المنطقي السليم والذي ليس له محصله إلا الإبداع والتميز.

وهذا ما أراده الإسلام لأتباعه وجنده ، والمتفكرين في القرآن الكريم نصيب طيب من المدح حيث ذكرهم الله تعالى في آيات كثيرة منها ،قول الله البصير:"أولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار "آل عمران 191،وقال الله السميع:"أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء".

إن الإسلام أمر بإعمال العقل وإطلاقه من عقاله ومنحه مساحة كبيرة من حرية التفكير لأن في ذلك منفعة للأمة وزيادة في تقدمها وتطورها وارتقاءها في العلوم والمعرف لأن العقول المعطلة تبقى معطلة لا نفع فيها .

بل إن الإسلام حرص على إطلاق تفكير الإنسان منذ نعومه أظفارة من خلال تعليمه وتدريسه وإجابته على تساؤلاته حول الكون وما فيه من ظواهر طبيعية كالشمس والقمر والزلازل والبراكين والمطر والرياح وغيرها؛لأن في ذلك تطوير لتفكيره وتنمية لعقله.

وقد أكد الإسلام وحض على العلم كوسيلة عظمى من وسائل التفكر والتفكير ولا أدل على ذلك من قول الله المالك: "إنما يخشى الله من عبادة العلماء " فالعلماء أكثر الناس خشيه لله لأنهم يعرفون أسرار الخلق والكون والعلوم والمعارف التي لا يعرفها غيرهم .

حرص الإسلام على حرية الفكر:

بنفس الحرص الذي أبداه الإسلام تجاه الإنسان بدنا وجسدا وأعضاء حرص في نفس الوقت على حرية عقله وفكره بعيدا عن أية قيود تحد من انطلاقه وتمنعه من التفكير والتأمل والتدبر.

 بل إنه حض وشدد على أن يكون العقل والفكر حرا طليقا يجول في ملكوت السماوات والأرض يتدبرها ويعقلها ويتعرف على آيات الله فيها فتزيده إيمانا بالله وتكون طريقا موصلا له إلى معرفة خالقه ومولاه ، قال الله العدل :" أولم يتفكروا في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ".

والإسلام بحضه الإنسان على التفكير إنما هو يقر له بشئ من طبيعته البشرية وصفة من صفاته الإنسانية، ولكنه بنفس الوقت يوجهه أن يستخدم هذا النشاط الفكري بما يعود علية وعلى مجتمعه بالنفع والفائدة دون أن يسبب أذى لغيره من بني جنسه؛امتثالا لقاعدة الإسلام العظيمة ( لا ضرر ولا ضرار ).

إن الإسلام يريد من الإنسان أن يسير في نشاطه الفكري سيرا ايجابيا فيه الخير والنفع لأنه يريد منه أن يرتقي ويصعد لا أن ينحدر وينزل ، يريد منه أن يبني لا أن يهدم؛ لأن لديه مهارات وقدرات لم تعط لغيره من المخلوقات.

 يقول الدكتور احمد زكي :" فالذي صمم جسم الحيوان وركب هيكله كأنه لم يرد من هذا التصميم أن يتمكن الحيوان من النظر إلى السماء وذلك لأسباب عدة من أهمها :

أنه مع عقلة العاجز لا يستفيد من هذا النظر شيئا؛وعلى غير هذا الطراز صمم المصمم جسم الإنسان وركب هيكله ، فالإنسان عقل زاخر كثير الوعي ، وهو قادر كثير القدرة ، فهو يستفيد من النظر إلى السماء أكبر استفادة ويلقى في سبيل هذا النظر بعض المشقة،ولكنها تهون في هذا السبيل الذي هو فيه " .

2.حرية التعبير :

اهتم الإسلام بتكوين المجتمع المسلم النظيف الذي تسوده المحبة والتعاون فيشعر فيه الإنسان بالكرامة والاحترام ، يسوده التوازن والاعتدال ، تتاح في للإنسان الحرية في ان يبدي راية في كل القضايا المتصلة بشؤونه اليومية في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تحقيقا لأهداف المجتمع العليا.

فللإنسان الحق في أن يبدي رأيه بحرية والتعبير عما يجول بخاطره بصراحة وخصوصا إذا كان في ذلك إحقاق للحق وإرساء للعدالة ، لأن إبداء الرأي الصائب المستنير المستقيم فيه بناء للمجتمع وصيانة له من التدهور والضياع ، ويبدي الإنسان راية في المجتمع الإسلامي من خلال مفهوم الدعوة والنصيحة بالأسلوب الحسن والطريقة اللينة.

وقد جاءت آيات كريمة كثيرة تدعوا المسلم لإبداء راية ليكون صاحب موقف وكلمة وليس إمعة اخرق ليس له قرار أو رأي تتقاذفه الأهواء والأمزجة ، قال الله الكريم :"ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر" .

وقال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" لا يكن أحدكم إمعة ، يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وان   أساءوا أساءت ، ولكن وطنوا أنفسكم ، إن أحسن الناس إن تحسنوا وان أساءوا أن تتجنبوا إساءتهم".

وللدعوة وإبداء الرأي ضوابط أرشدنا لها القران الكريم بقولة تعالى :" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك".

وإبداء الرأي يكون بالقول اللين والأسلوب الحسن واختيار الزمان والمكان المناسبين لإبداء الرأي والمشورة .

والإسلام يريد من الإنسان عندما منحه حرية التعبير أن يكون تعبيره بعيدا عن الإيذاء لنفسه ولغيره ، إيذاء بدنيا أو معنويا سواء كان هذا الغير فردا في مجتمعه أو كان في مجتمع آخر وعلى عقيدة أخرى،قال الله العظيم :" قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن" وقال الله الحكيم :" ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن".

وإبداء الرأي في المجتمع المسلم هو استجابة لدعوة الله تعالى  بقولة لنبيه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" وشاورهم في الأمر "،وفي هذة العمليه – الشورى – يتم تطارح الأفكار وتبادل الآراء التي تنجم عن تفكير عميق واستعمال للعقل بطريقة منطقية تجعل من الإنسان يتميز عن غيره من المخلوقات بأن لديه القدرة على التعبير عما يجول بذهنه من أفكار تخدم الأمة المسلمة وتقودها إلى دروب الفلاح والسداد . 

3.العلم والتعلم :

من ظواهر الحفاظ على سلامة العقل وتحريره من الخزعبلات والخرافات  في الإسلام هو تشجيعه وحضه على طلب العلم ، فالفكر هو أداة الحصول على العلم ،لذا شدد الإسلام على طلب العلم والمعرفة ، فأنزل الله سبحانه وتعالى أول آية على رسوله الكريم تطلب منة أن يقرأ ، قال الله العليم:"إقرأ باسم ربك الذي خلق " ؛فالقراءة والكتابة هي أدوات العلم الرئيسية التي تكشف عن مكنونات الفكر ، والعلم يطلق لصاحبة العنان ليتدبر ويتفكر في ملكوت الله وما خلق الله في السماوات والأرض، قال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:"طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة " رواه ابن ماجه ،ويقول الله الجليل في فضل العلماء والمتعلمين على غيرهم :"قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ".

ورفع ديننا الحنيف من قيمة العلماء حيث قال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" لموت قبيلة أيسر من موت عالم " رواه الطبراني .

وقال الله الحفيظ:" شهد  الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم" .  

وفي هذه الآية جعل الله  مرتبة (أولي العلم) بعد الملائكة مباشرة،ويقول النبي الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" قليل العلم خير من كثير العبادة " ،ويقول:" يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدم الشهداء " ،ويقول: "فضل العالم على العابد كفضلي على أدنى رجل من أصحابي " ،وقال:" إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء  بما يصنع " ،وقال "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به ، أو صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم.

 ويقول الإمام علي رضي الله عنة في فضل العلماء :" تواضعوا لمن تتعلمون منه ولمن تعلمونه ولا تكونوا جبابرة العلماء ".

ويقول الإمام الغزالي :" الدين دواء والعلم غذاء ".

ويقول الاوزاعي رحمة الله: " الناس عندنا هم العلماء وما سواهم لاشيء " .

نلاحظ من خلال ما سبق أن الإسلام اهتم بالإنسان جسدا وعقلا وروحا ووضع لذلك الخطوات العملية والنظرية التي إذا ما طبقها الفرد تكاملت شخصيته وأصبح سليم الروح والجسد والعقل ، عندها يستطيع أداء رسالته التي أوكلها له الله سبحانه وتعالى ، وكذلك يستطيع أداء واجباته تجاه أمته ودينه،وذلك لأنه محل التكريم والتقديس من قبل خالقه ، حيث قال المفسرون في آيه التكريم: "ولقد كرمنا بني ادم " إن من أعظم خصال التكريم في الإنسان هو العقل وهو أثمن نعمة أنعمها الله على الإنسان وهي الميزة الأساسية التي استحق بموجبها هذا التكريم وهذه المكانة العالية،لذلك فإن تعاليم الإسلام جاءت لتعلي من قيمة العقل والفكر والإبداع في الإنسان حيث ضرب الله له الأمثلة الحسية والمعنوية التي تدفعه إلى استعمال عقله وتفكيره للوصول إلى الحقائق المتنوعة .

وكذلك الحال في الجانب الروحي حيث جعل ارتباط الإنسان بربه وثيقا  حتى في المعركة  لكي يبقى متيقنا ان النصر والظفر بيد الله وحدة يطلب منه العون والمدد ، وهو جانب مهم في العسكرية الاسلامية التي تعتمد في إعدادها على الروابط الروحية والمعنوية مع الله بنفس الوقت الذي  تعتمد فيه على العتاد والتدريب والعدة ،وهذا ما ميز العسكرية الاسلامية عن غيرها بأنها كانت تعنى بإعداد المقاتل مراعية فيه الجوانب كافة الروحية والجسدية والعقلية لتتكامل شخصيته ،وبذلك تكون الحرب النفسية في الجيش الإسلامي ذات حيز لا يستطيع أحد إنكاره أو التعامي عنه ولا تقل أهمية عن الحرب العملية والعمليات القتالية الفعلية .

المصادر والمراجع:
- حامد صادق قنيبي، الكون والإنسان في التصور الإسلامي ، مكتبة الفلاح ، الكويت ،1980.
- محمد البهي ، الدين والحضارة الإنسانية ،دار الفكر ، بيروت ، 1974.
- اسحق احمد الفرحان ، التربية الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة ،دار الفرقان ، 1983.
- محمد كامل حسن المحامي ، الحضارة في القران الكريم ، المكتب العالمي للطباعة والنشر ، بيروت ، 1992.
- أساسيات في القيادة والإدارة النموذج الإسلامي في القيادة والإدارة هايل عبد المولى طشطوش،دار الكندي،الطبعة الأولى 2008.

No comments :

Post a Comment