Friday, January 1, 2016

من أسباب النصر في سنة النبي والسيرة النبوية المطهرة



من أسباب النصر في سنة النبي والسيرة النبوية المطهرة:
  لا يأتي النصر من فراغ فلا بد لتحقيقه من أسباب ومسببات ،والأسباب التي سنوردها ليست لنصر المسلمين في الحروب والمعارك العسكرية فقط بل هي أيضا سبب نجاحهم في بناء دولتهم الجديدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا على أسس متينة وقواعد راسخة لولاها لما استطاعوا –وخلال الوجيز من الزمن – الوصول إلى ما وصلوا إليه من رفعة ومجد وسؤدد.
إنها أسباب لو أخذت بها أية أمة وأي شعب كان مصيره النجاح والتقدم.
فهي نظريات عظيمة في الإدارة والقيادة الناجحة بل في القيادة الادارية الرشيدة السليمة.
ويمكن ان نوجز أسباب انتصار المسلمين ورفعتهم في حياتهم العسكرية بما يلي:
1.العقيدة الراسخة:
لقد تطرق الدارسون والباحثون لتعريف العقيدة حتى وصلوا إلى قاسم مشترك بينهم أجمعين يعرف لنا معنى العقيدة، ونورد هنا تعريف العقيدة الصحيحة كما ذكره الشيخ د.محمود شويات بأنها:" هي الإدراك الجازم المطابق للواقع كاعتقادنا بوجود الله وانه واحد لا شريك له ".
في الإسلام الحنيف إن سر قوة الأمة ومنعتها هي عقيدتها وإيمانها الراسخ بالله وبثوابت دينها الحنيف لأن العقيدة لها من القداسة والأهمية ما يفوق الأرض والوطن والمال والجاه والنفس ،لأنه لا نفع لكل ذلك اذا تهددت العقيدة وتعرضت للخطر.
وفي الإسلام لا تحمى المكتسبات المادية للأمة بدون عقيدة مصانة محفوظة في الصدور وفي سويداء القلوب .
  أما في زمن الإسلام الأول فقد استقر الإيمان بالله وبنبيه وبرسالته في نفوس أولئك القوم حتى أصبح هو المحرك والباعث لهم في جميع تصرفاتهم وتحركانهم ،لقد كان إيمانهم مطلقا راسخا بالله لا يتزعزع رغم كل المغريات والأسباب .
لقد كان هاجس القوم هو إعلاء كلمه الله ونشر الدين الجديد والدفاع عن العقيدة التي رسخت في نفوسهم وضمائرهم ،فبذلوا من أجل ذلك المال والولد وكل ما يملكون بل أغلى ما يملكون وهو نفوسهم التي بين أظهرهم حبا لله ولرسوله وتنفيذا لأوامر الله بالدفاع عن الدين وحمايته من العدوان ونشرة في بقاع الأرض كلها .
  لقد حولت العقيدة الراسخة هؤلاء القوم إلى قوم أقوياء شجعان لا يهابون الموت ويقدمون عليه بنفوس مطمئنة؛ لأنهم آمنوا وتيقنوا بأن ما عند الله خير وأبقى وبأن ثمن ذلك كله ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ،لقد كان إيمانهم بلا تهور ،ولا حماس أهوج ولا اندفاع جاهلي متغطرس ،ولا إقبال غبي ،بل كان وفق أسس مدروسة وثوابت عميقة وقواعد سليمة  وأهداف سامية ،لقد حولت العقيدة الراسخة هؤلاء القوم الى مقاتلين أشداء يقاتل الواحد فيهم أقرب الناس إليه رغم كل الصلات الأبوية والأخوية والعصبية العشائرية ، فها هو الأب ينزل لمبارزة ابنه وكذا الابن ينزل لمبارزة أبيه ،والأخ يلتقي بسيفه مع ابن عمه وقريبه الذي يجتمع معه في عصبيه واحدة!!! انه الإيمان الراسخ والعقيدة السامية العظيمة التي ليس لها هدف سوى نشر السلام والعدل والمساواة والإخاء والرحمة بين بني الإنسان .
   لقد لعب هذا السبب دورا حاسما في بناء الدولة الإسلامية وتطورها وتقدمها ونموها وامتدادها واتساع رقعتها في زمن قياسي ،إنه الإيمان والعقيدة ليس سواهما،ولا أدل على ذلك من عودة النبي محمد عليه الصلاة والسلام إلى مكة مرفوع الرأس قوي الجانب عزيز المكانة بعد أن خرج منها قبل سنوات قلائل مطرودا ضعيفا.
"إنها العقيدة، عقيدة الإسلام السمحة العقيدة الديناميكية الحركية التي لا يؤمن بها إنسان عن فهم ووعي وإدراك حتى ترتفع به وتنقله من حياة الى حياة ومن سلوك الى سلوك ومن تفكير إلى تفكير أكثر رقيا وتحضرا ،ترتفع به الى مستوى الإنسان الذي أرادة الله خليفة له سيدا على كل المخلوقات ،لقد شكلت العقيدة السبب المباشر والهام في انتصار المسلم وبناء قوتهم  وهيبتهم وانتصار دولتهم بزمن قياسي.
2.القائد المثالي:
يعرف العسكريون بأن القائد هو السبب  المباشر في الانتصار والنجاح في المعارك والحروب ،لأنه هو الذي يخطط ويفكر ويصدر الأوامر السليمة الصحيحة في الوقت المناسب والمكان المناسب.
لقد لعبت شخصية الرسول القائد بما فيها من صفات مثاليه الدور الأكبر والسبب المباشر للنصر ، لقد تجمعت بهذه الشخصية مجمل الأسباب بل كلها.
 فلقد كانت شخصيه شجاعة يشهد لها القاصي والداني ،شهد لها الأصحاب والأعداء ،فقد كان الرسول الكريم شجاعا في السلم كما هو شجاع في الحرب:
صمد رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام حين هرب الناس وقاتل بضراوة وشدة وبسالة ورجولة وقوة ،صمد صمودا فرديا كما صمد صمودا جماعيا.
ففي الخندق كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام القائد البطل الذي لم يخف من خطر اليهود وجمعهم وتحزبهم.
وفي بدر كذلك الحال،يقول الإمام علي بن أبي طالب في النبي محمد عليه الصلاة والسلام :" انا كنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق اتقينا برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام وهو أقربنا الى العدو " !!!.
ان صمود النبي محمد عليه الصلاة والسلام في حنين دليل لاشك فيه على شجاعته وبطولته وجسارته ،ولو لم يصمد آنذاك لتغير وجه التاريخ الإسلامي كله!.
مواقف كثيرة تدل على شجاعته وجسارته عليه الصلاة وأتم التسليم .
ان صفات الرسول الكريم النبي محمد عليه الصلاة والسلام كثيرة يكاد المرء يعجز عن وصفها وذكرها.
فمن صفاته القيادية :الشخصية الفذة المتميزة بما فيها من أخلاقيات ،فهو الكريم ،الرؤوف ، الحليم ،الرحيم ،صاحب الهيبة والوقار ، نال محبه أصحابه حتى إن أحدهم كان يفديه بكل ما يملك من مال وولد ونفس وكل نفيس.
ولا أدل على ذلك من قول عروة بن مسعود الثقفي مندوب قريش للمفاوضات في الحديبية عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ،حيث يقول لأصحابه :"يا معشر قريش أني جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ،واني والله ما رأيت ملكا في قوم قط مثل محمد ،لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوؤه ، ولا يسقط من شعرة شيء الا أخذوه ، وإنهم لن يسلمونه لا لشيء أبدا ".
هذه شهادة من ألد أعداء الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، فكيف بشهادة الأصحاب والمقربين الذي خبروا وعرفوا صفاته عن كثب وقرب ،فهو بحق قائد مثالي نموذجي كان السبب المباشر في انتصار المسلمين ورفعتهم وتحقيقهم للرفعة والمجد والسؤدد.
3.تكتيكات جديدة في الحرب :
لقد طبق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أساليب جديدة في القتال لم يعتد عليها الأعداء ولم يروا او يسمعوا بمثلها ،فقد شكلت لهم مفاجأة ساهمت في دحرهم وانتصار المسلمين،وهذا هو شأن القادة المبدعين الأذكياء في الحروب والمعارك ،يبحثون عن كل ما هو جديد من الأساليب والمناورة والمعدات والخطط ،ليفاجئوا بها الأعداء.
إن استخدام أسلوب الخندق كان له دور كبير في هزيمة الأحزاب الذين تجمعوا لقتال المسلمين في المدينة .
واستخدم عليه الصلاة والسلام أيضا أسلوب الصفوف في المعركة وهو تكتيك جديد لم تعتد عليه قريش ،فكان مفاجأة ساهمت بتحقيق النصر المبين.
وكذلك كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ذكيا وحاذقا باختيار ]ساعة الصفر(هي مصطلح عسكري يشير إلى اختيار الزمان والمكان المناسبين لبدء العمليات القتالية بغض النظر عن نوعها سواء كانت هجوم أم دفاع أم انسحاب أم تراجع ...الخ)[ والتي يعرف العسكريون أن اختيارها المناسب يشكل نصف الانتصار في المعركة.
فقد اختار الرسول محمد عليه الصلاة والسلام الهجوم فجرا في غزوة بني المصطلق ،فشكل ذلك مفاجأة قويه لهم ، وما كان ليختار هذا الوقت لولا معرفته وثقته بجنودة المدربين الأقوياء الاكفيأ.
وفي مجال الأمن ابتكر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أساليب تدل على الوعي وبعد النظر وتحقق استباق الأحداث واخذ زمام المبادرة من الأعداء.
  هذا وغيره الكثير من الأساليب المبتكرة والإبداعية التي استخدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في قيادته لمعاركه وحروبه وطبقها مِن بعده أصحابه وخلفائه عليهم رضوان الله .
4.أتباع مخلصون وجنود مثاليون :
لقد ربى الرسول محمد عليه الصلاة والسلام جنده على أسس العظيم القائمة على الأخلاق الفاضلة والسجايا الكريمة وحسن المعشر ولين الجانب ،وبنى فيهم نفوسا وأجساما اصلب وأقوى من راسيات الجبال ،فكان الواحد فيهم يعد بألف رجل فهم الدعاة كما هم المحاربون ،وهم القادة كما هم الجنود في ذات الوقت.
وقد حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل من أتباعه قادة أشداء في الحرب كما هم في السلم فكانوا فعلا كما أرادهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
والدليل على ذلك أن الإسلام استمر  بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس القوة والاندفاع، لأنه كان هناك قادة من بعده يحملون الرسالة ويدافعون عن هذا الدين، ويشعرون بالمسؤولية تجاه نشره، ولديهم القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب .
والناظر في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، يجد كيف كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه على أنهم أنهم قادة لهم رأي، ولهم مواقف، ويشاركون في صنع القرار.
ومن أمثله  ذلك؛ ما حدث في غزوة بدر حينما نزل النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في مكان معين،جاءه رجل لم يكن قائدا في الجيش بل جندي عادي ، هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه، فقال: "يا رسول الله أهذا منزل أنزلكه الله (أي إذا كان وحي فلا يد لنا فيه ولا اعتراض) أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟" ،قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) قال: "فما هذا بمنزل  فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وغيّر مكان الجيش الذي اختاره هو، وغير الخطة كلها بناءاً على اقتراح وجيه جاءه من جندي في الجيش .
  لقد اهتم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بتدريب جنده وإعدادهم إعدادا عسكريا صحيحا ليدافعوا عن هذا الدين لأنه بغير الجنود الشجعان الأقوياء يضعف الجيش وينهار ،فقد كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يحثهم على إتقان فن الرمي والفروسية.
 فقال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" من ترك الرمي بعد ما علمه فإنما هي نعمة كفرها ".
وهذا دليل على أهميه التدريب العسكري وإتقان فنون القتال وأساليبه .
و اهتم بتسليحهم وتجهيزهم وإمدادهم بالسلاح الذي يقوي من عزيمتهم ،فقد مدهم بالدروع والسهام والسيوف ،ودليل ذلك كتيبة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام المعروفة باسم الكتيبة الخضراء التي ووصف أفرادها بأنه لا يرى منهم إلا الحدق بسبب كثرة ما يلبسون من الدروع والحديد.
ولم يكتفي عليه الصلاة والسلام بذلك بل إنه شجعهم على احتراف مهنة صناعه السلاح  فقال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" ان الله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة : صانعه المحتسب في عمله الخير ، والرامي به ، والمعد له ، فارموا واركبوا ، وان ترموا أحب إلي من أن تركبوا " .
وكان أصحابه عليه الصلاة والسلام جنود مثاليون وأتباع مخلصون يُفْدُون دينهم وقائدهم بالمهج والأرواح والنفوس ولو طلب منهم أن يخوضوا معه غمار البحر لما ترددوا .
لعل القوة التي تجتمع لها هذه المقومات الأربع هي أحق وأجدر بالنصر ، لقد شكلت  هذة الأسباب المرتكزات الأساسية لتحقيق النصر للمسلمين ،فالثوابت الراسخة في نفوس الجيش ، والقائد المثالي الناجح الحاذق العبقري ، والمهارات وفنون القتال ، والجنود الأشداء الأقوياء  الأوفياء ،لا شك أنها عوامل النصر لأيه قوة عسكريه ، ولعل التاريخ العسكري قديمة وحديثه يصدق هذا الزعم بل ويجزم به ،والعلوم العسكرية والفنون القتالية التي تدرب القادة والجنود على أسباب النصر لعلها لا تخرج عن هذة المقومات الأربع كركائز نصر لمعركتها القادمة.

المصادر والمراجع:
- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- زهاء الدين عبيدات ،القيادة والإدارة التربوية في الإسلام ، دار البيارق ، عمان ، 2001.
- مهدي الحسيني ، مسؤوليات القيادة الاسلاميه ، دار المشرق العربي الكبير ، لبنان ، 1978 .
-احمد عبد ربه بصبوص ، فن القيادة في الإسلام ، مكتبة المنار،  الزرقاء الأردن ، 1989
- سعيد حوى ، الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج1 ، 1971.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- فهمي القدومي ، تنظيم القيادة في عهد الرسول ، مجله الاقصى ، العدد 773، تاريخ 1/12/1986.
- محمود شويات ، اثر العقيدة الاسلاميه في شجاعة المقاتلين وتضحيتهم ، مجله الأقصى ، العدد 773، تاريخ 1/كانون أول 1986

No comments :

Post a Comment