Wednesday, March 12, 2014

منهجية المسلم في الحياة


منهجية المسلم في الحياة
في أوقات الشدة وأزمنة البلاء يظهر المعدن الصالح من المعدن الصدئ، ويُعرَف الحق من الباطل.
وهذا ما نراه في واقع حياتنا ونلامسه في معيشتنا من خلال تعامل الآخرين معنا وتعاملنا معهم.
منهج المسلم ـ رجلاً كان أو امرأة ـ هو تلقي أحكام الله تعالى بالتسليم والرضا (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما)
يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، لا يكفي حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين (1)تيسير الكريم الرحمن/ 184.
ويقول سبحانه (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً) والاعتراض على أحكام الله تعالى والإعراض عنها سمة المنافقين من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين *  وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون).
 وفي مقابل هؤلاء نجد المؤمنين الطيبين يثني عليهم ربنا بقوله (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون).
 وهذه هي التي ميزت الجيل الأول وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأذكر ها هنا مثالاً يتضح به الحال:
عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: وكانت الأنصار إذا  كان لأحدهم أيم لم يزوِّجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا؟
فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار {زوجني ابنتك}
فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعم عيني.
فقال {إني  لست أريدها لنفسي} قال: فلمن يا رسول الله؟ قال {لجليبيب} فقال: يا رسول الله أشاور أمها!
فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك!
فقالت: نعم ونعمة عيني. فقال: إنه ليس  يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ لا لعمر الله لا تزوجه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها؛  قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ فقالت أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟  ادفعوني فإنه لم يضيعني!!
فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ قال {شأنك بها فزوجها  جليبيبا} قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له؛ قال: فلما أفاء الله عليه قال  لأصحابه {هل تفقدون من أحد؟} قالوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً.
قال {انظروا هل تفقدون من أحد؟} قالوا: لا. قال {لكني أفقد جليبيبا}
قال {فاطلبوه في القتلى} قال: فطلبوه؛ فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه؛
فقالوا: يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه
فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال {قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، مرتين أو ثلاثاً}
ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحُفر له، ما له سرير إلا ساعدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وضعه في قبره، ولم يذكر أنه غسله، قال ثابت: فما كان في الأنصار أيم أنفق منها،
وفي لفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال {اللهم صُبَّ  عليها الخير صبا ،ولا تجعل عيشها كدَّا كدَّا} قال: فما كان في الأنصار أيم أنفق منها. (2)رواه الإمام أحمد برقم 18894
إن كثيرين ممن يتناولون قضية المرأة على غير هدي الإسلام إنما يفعلون ذلك ظناً منهم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد رأي يطرحونه أو فكرة يتبنونها.
 وما علموا أن أحكام الله تعالى لا تقبل التبعيض ولا التجزئة وأن المسلم الذي يركع لله ويسجد في صلواته ينبغي أن يتلقى عن الله تعالى ويرضى ويسلم.
 وقد نعى ربنا سبحانه وتعالى على بني إسرائيل بقوله (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما يعملون * أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون).
وهناك أناس من المسلمين ومن طلاب العلم حتى ومن الشيوخ،يأخذون من الدين ومن تعاليم الشريعة ما وافق هواهم ومصالحهم، وما يوافق رضى ولاة أمورهم من ملوك ورؤساء وأمراء، ويتركون ما لا يوافق رضاهم ، باسم المصلحة وباسم درء المفسدة وباسم منعا للفتنة وباسم اجتناب الضرر، يفعلون ذلك ويتحججون به رغبة منهم في كسب مال أو أخذ أعطيات أو تلقف منح أو الحصول على منصب والبقاء فيه، أو الظهور في الإعلام وكسب الشهرة، وهذه أمراض فتاكة دخلت في العديد من العلماء والشيوخ وطلبة العلم فأخذوا من الآيات القرآنية والأحاديث النبوي ما يوافق هواهم وأما ما يعارض مصالحهم ومصالح حاكميهم المستبدين الظالمين آكلي الحقوق وظالمي المسلمين فيخفونه ولا يبدونه، وإن أظهره أحد فيؤولونه ويفسرونه تفسيرا يُخرجه من معناه ويحرفه عن مبتغاه.
والناظر في واقعنا وواقع دولنا يرى شواهد كثيرة وأدلة عديدة على ذلك.
لا يكون المسلم مسلما حقا ولا المؤمن مؤمنا صدقا حتى يؤمن بالقرآن كاملا إيمانا بالقول والعمل، بالنية والاعتقاد والسلوك والفعل.
وقبيح بطالب العلم فضلا عن العالم وقبيح بالمسلم أن يتابع ويتبنى أقوال علماء السوء الذين وقفوا مع الظالم ضد المظلوم وأفتوا باعتقال وتعذيب الناس حتى الموت، فأمثال هؤلاء لا تُقبَل منهم فتوى ولا يُؤخَذ منهم علم ولا يُسمَع منهم، لأنهم مثل أحبار اليهود والنصارى أكلوا الدنيا وباعوا دينهم بثمن بخس وبعضهم باع دينه بلا ثمن.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يسير على منهج القرآن الحق والسنة الصحيحة ويتبع الرسول ويقتفي خطاه.

No comments :

Post a Comment