Sunday, April 3, 2016

منهجية الخليفة علي بن ابي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه في القيادة و الإدارة



منهجية الخليفة علي بن ابي طالب  رضي الله عنه وكرم الله وجههفي القيادة و الإدارة :
لقد تولى علي بن أبي طالب قيادة الأمة الاسلامية وهي تعيش أدق وأصعب الظروف التاريخية ،حيث بويع علي بن ابي طالب خليفة للمسلمين بعد مقتل عثمان بن عفان .
وقد سار علي بن ابي طالب على نهج من سبقوه في الإدارة ورسم سياسة الحكم منذ اللحظة الأولى مفتتحا مرحلة حكمه بخطاب الحكم الأول الذي يرسم من خلاله منهجيته وطريقته في إدارة الدولة ومرافقها وفق مقتضيات المرحلة التي تمر بها.
وقد ألقى الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطبته الأولى في الناس قائلا:" ان الله عز وجل انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر ، فخذوا بالخير ودعوا الشر والفرائض أدوها الى الله سبحانه وتعالى يؤدكم الى الجنة،ان الله حرم حرما غير مجهول وفضل حرمه المسلم على الحرم كلها وشد بالإخلاص والتوحيد المسلمين ،والمسلم من سلم الناس من لسانه ويدة إلا بالحق ، ولا يحل آذى المسلم الا بما يجب ، بادروا أمر العامة وخاصة أحدكم الموت فأن الناس أمامكم وان خلفكم الساعة ،اتقوا الله عز وجل ولا تعصوة وإذا رأيتم الخير فخذوا به وإذا رأيتم الشر فدعوه ".
ويذكر بعض المؤرخون انه قال أيضا في خطبته :".....وان الله داوى هذة ألامه بدوائين :السيف والسلطة فلا هوادة عند الإمام فيهما ،استتروا بيوتكم وأصلحوا بينكم والتوبة من ورائكم ...".
لقد تولى علي بن أبي طالب الخلافة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه في مرحلة تعتبر من أدق وأصعب مراحل حياة الدولة الإسلامية، مما ألقى أعباء جديدة على الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمواجهة هذه التغيرات واحتوائهاـ فكان لابد له أن يجري إصلاحات إدارية وسياسية تحفظ المجتمع المسلم وتمنع بعثرة الأموال الكثيرة وجعلها في خدمة المسلمين أجمعين تحقيقا للعدالة والرفاه الاجتماعي الشامل.
لذا فان الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه استخدم الأساليب والطرق الإدارية التالية بقصد إصلاح الأوضاع الادارية والسياسية في الدولة وهي:
1.تغيير الولاة والعمال في كافه أرجاء الدولة الإسلامية: لأن في التغيير بعث للحياة من جديد وتجديد للعمل والنشاط وضخ دماء جديدة تقوم بأعمال جديدة، بعيدا عن الروتين والبيروقراطية، ووضع بدلا منهم أشخاصا من ذوي الصفات الطيبة والسيرة الحسنة  والمقبولين من قبل الناس، ولديهم القدرة على استيعاب المستجدات والظروف المحيطة.
وكان يقول :" ثم انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا لا تولهم محاباة وأثرة " .
2.مصادرة الأموال الكثيرة والفائضة التي كانت بحوزة هؤلاء العمال وإعادتها الى بيت المال: لاستخدامها من قبل كل المسلمين على قدم المساواة .
3.إخراج المتمردين على الخليفة من المدينة تحقيقا للأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي ومنعا لإثارة الفتن والمشاكل بين الناس ،حيث قال لهم :" يا أيها الناس أخرجوا عنكم الأعراب"، وقال أيضا : "يا معشر الأعراب الحقوا بمياهكم ".
4.لقد كانت الفتن تحيط بحكم علي بن ابي طالب إحاطة السوار بالمعصم،وكان لابد من إتباع سياسة حكيمة مع من يغذي الفتن ويقوم عليها ،حيث استخدم الحكمة والسياسة وتهدئة النفوس والخواطر وتدرج في أساليب إدارة هذه الفتن وكان عنده "آخر الدواء الكي"  .
5.ومن أجل أقامه مجتمع الحق والعدل اهتم بالقضاء والولاة كلَّ العناية والرعاية ،وعين أفضل القضاة في الأمصار والأقطار، حيث عين عبد الله بن عباس وأبي الأسود على البصرة ،وعين القاضي شريح على الكوفة .
6.طور علي بن ابي طالب نظام الشرطة (العسس ): الذي كانت نواته قائمه زمن عمر بن الخطاب ،وذلك لضبط الأمور وخاصة بعد ظهور عناصر غير موالية للحكم وازدياد المشاكل والفتن ، وعين له معقل بن قيس .
أما أهم المبادئ الإدارية التي اتبعها الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فكانت :
1.وضع الرجل المناسب في المكان المناسب :
لقد اشرنا في تدوينة سابقة إلى أهميه هذا المبدأ ،وذلك لأنه الأساس الذي يقوم عليه العمل الإداري السليم ،فالشخص الذي يتم اختياره وفق أسس الكفاءة والنزاهة والخبرة والدراية والعلم هو الأجدر والأقدر على القيام بالعمل من غيره.
 وقد وضع الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه شروطا ومواصفات لمن يجب أن يتولى شأن الأمة ومنها : الثقة والامانه والإخلاص ،وقد شدد على ذلك من خلال خطبه ووصاية لعماله وولاته حيث يقول لأحدهم : " ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا ....وتوخ منهم أهل التجربة والحياء ،من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الإسلام ...فإنهم أكرم أخلاقا وأصلح أعراضا واقل في المطامع إشرافا ،وأبلغ في عواقب الأمور نظرا ، ثم أسبغ عليهم الأرزاق ،فإن ذلك قوة لهم على الصلاح وغنى لهم ما تحت أيديهم وحجه عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلوا أمانتك  " .
2.المراقبة ومتابعه الأمور :
لاشك أن القائد أو المدير الناجح هو الذي يراقب كل كبيرة وصغيرة ولا يغيب عن باله شيء ولا حدث من الأحداث التي تدور في المكان الذي هو مسؤول عنه.
 وقد كان هذا حال الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث كان يوصي ولاته وعماله أن يتابعوا كل صغيرة وكبيرة تدور في أرجاء البلاد فها هو ويكتب إلى أحد عماله فيقول له:"وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم، فإن تعاهدك في السر لأمورهم قدوة لهم على استعمال الأمانه والرفق بالرعية وتحفظ في الأعوان، فإن أحد منهم بسط يده إلى الخيانة أجمعت عليه عندك أخبار عيونك ،اكتفيت بذلك شاهدا، فبسطت عليه العقوبة في بدنه، وأخذته بما أصاب من عمله، ثم نصبته بمقام المذلة ،ورسمته بالخيانة، وقلدته عار التهمه " .
3.إعطاء كل ذي حق حقه :
إن ما سبق من خطاب الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى أحد ولاته لهو دعوة - بل أمر- إلى الولاة لإعطاء كل شخص حسب ما يستحق وحسب ما يقوم به من عمل وحسب ما يبذل من جهد ،تطبيقا للمبدأ الذي يقول "الجزاء من جنس العمل " ،وأيضا يدل على أن مبدأ الحساب الفوري عدم تأجيل المحاسبة يؤدي إلى سير الأمور بشكل سليم واهتمام كل شخص بعمله والقيام بواجبه ومسؤولياته الموكلة له .
4.العدالة ونبذ الظلم :
كان الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحرص على أن لا يقوم ولاته وعماله بظلم الرعية وهضم حقوقها ،ويخوفهم دائما بالله،حيث يوصيهم فيقول :"...ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عبادة ..."،وهذا هو قمة احترام الإنسان وتقديره لإنسانيته، وهو يدل على الخوف من الله ومراقبته ، ويدل على الزهد والتقوى والورع، وبأن المسؤولية أمانة وتكليف وليست مفخرة وتشريف .
5.الاعتدال والوسطية :
إن التشدد في الأمور يؤدي إلى التمرد والعنف والرفض والجفاء،والاعتدال والتوسط يؤديان إلى القبول والمحبة والإقبال على العمل برضا  ومحبة، وقد أوصى الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولاته بالتوسط فقال لأحدهم :"...وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها يجحف برضا الخاصة وان سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة .... ".

6.الرحمة وحسن التعامل مع الرعية :
القائد الناجح هو الذي يتلمس احتياجات أفراده، ويسأل عن أخبارهم وأحوالهم وشؤونهم الأسرية والعائلية، ويعمل على حل مشكلاتهم لأنها تؤثر على عطائهم وأدائهم.
 وقد طبق ذلك الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه خير تطبيق حيث يقول :" وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان ،إما أخا لك في الدين وأما نظيرا لك في الخلق ".
7.التواضع ولين الجانب :
كان الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر ولاته بالتواضع وعدم التكبر على الناس، وكان يطلب منهم اللين بغير ضعف والقسوة بغير عنف ،حيث يوصي أحدهم فيقول له:"واخلط الشدة بضغث من اللين، وأرفق ما كان الرفق أرفق، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة، واحفظ للرعية جناحك ،وابسط لهم وجهك، ولِنْ لهم جانبك، وآس بينهم في اللحظة والنظرة والإشارة والتحية حتى لا يطمع العظماء في حيفك ولا ييأس الضعفاء من عدلك ".
وهنا إشارة إلى التحلي بأخلاق الإسلام ومبادئه السمحة التي تدعوا إلى الرفق واللين والتواضع واحترام الناس والبعد عن الغلظة والجفوة لأن ذلك أدوم للمحبة واستقرار البلاد وسير الأعمال على خير ما يكون .
8.احترام الناس وعدم شتمهم وسبهم :
لقد أمر الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ولاته بعدم التطاول على الناس واحترام إنسانيتهم ، وهذا مبدأ إداري هام له دور كبير في عطاء الأفراد وإخلاصهم لقيادتهم ومسؤوليهم ،فقد أوصى أحد الولاة قائلا:" إني أكره أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان سبكم إياهم : اللهم احقن دمائنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ".
9.الأمانه والنزاهة :
لاشك أن الأمانة والنزاهة في العمل ضرورة لاغنى عنها ،وقد شدد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه على هذا المبدأ حيث حاسب كل من خان الأمانة وضيعها من الولاة ولم يتهاون معه ، وقد كتب إلى أحد عماله الذين خانوا الأمانة فقال له:" فقد بلغني عنك أمر إن كنت تفعله فقد أسخطت ربك وعصيت إمامك وأخزيت أمانتك ، وبلغني أنك جردت الأرض فأخذت ما تحت قدميك وأكلت ما تحت يديك ، فارفع إليَّ حسابك ،واعلم ان حساب الله أعظم من حساب الناس" .

ان ما سبق ذكره من مبادئ أداريه طبقها الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه هي قليل من كثير ؛فقد كان لاختلاف الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية واتساع رقعه الدوله أثر كبير في تطبيق مبادئ إدارية جديدة والتشدد في تطبيقها ؛وذلك لكي تستقيم الأمور وتستقر الدولة وينعم الناس بخيراتها وثرواتها.
لقد كان الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه منهجا إداريا بحد ذاته فصفاته العظيمة وقربه من الرسول الأكرم صحبة ونسبا كان لهما الدور الأكبر في شخصيته وفي إدارته وقيادته لأمور البلاد والعباد.
ويقول النبي محمد عليه الصلاة والسلام بحق علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض علي فقد أبغضني ومن سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله فعليَّ مني بمنزله رأسي من بدني ، علي مع القران والقرآن مع علي لم يفترقا حتى يرد علي الحوض " ،ويقول:" أنا سيد العالمين وعلي سيد العرب " .
المصادر والمراجع:
-علي عطيه شرقي ،علي بن ابي طالب شخصيته وإدارة الدولة في عهدة ،دار الكندي ،اربد الأردن ،2001
-عبد المنعم محفوظ ،نعمان الخطيب ، مبادئ النظم السياسية ،دار الفرقان ،عمان ،1987.
-نزار عبد اللطيف الحديثي ، محاضرات في التاريخ العربي،بغداد 1979.
-محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلامية ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979
-حزام بن ماطر المطيري ،الإدارة الاسلامية المنهج والممارسة ،مكتبه الرشد ،الرياض ،2004.
-محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكريه الإسلامية ، الدار المصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976
-أحمد عبد ربه بصبوص ، فن القيادة في الإسلام ، مكتبة المنار،  الزرقاء الأردن ، 1989

No comments :

Post a Comment