Sunday, April 17, 2016

التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي:التخصص وتقسيم العمل



التنمية الاقتصادية من منظور إسلامي:التخصص وتقسيم العمل :
  
يرى الاسلام أن تحقيق الوفرة والجودة معاً فى الانتاج يتطلب تقسيم العمل أو التخصص . وقد حث عليه الإسلام ودعا إليه . وقاعدة التخصص الشرعية تقول: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)

فأنواع الصناعات والخبرات الفنية التي تحتاجها الأمة إذا لم يقم بها الناس أثمت الأمة بأكملها ، وأصبحت فرض عين على كل مسلم. 

ولكى يسهم العمل فى نفع صاحبه وتوفير الحاجات لكل المجتمع  لابد من أن يتخصص كل فرد فى العمل الذى يبدع فيه ، ولديه القدرة على إنجازه . ولا يقوم التخصص إلا بالعلم ، فزيادة الانتاج (الثروه ) يتوقف على وفرة عناصر الإنتاج  وأهمها  عنصر العمل (القوة البشرية ) والذى يمثل العامل والمنظم والمستثمر للمال ، والمالك للمنشأة.

 ووفرة عنصر العمل وحدها ليست كافية مالم يصحبها العلم . لأن العلم يسمح بزيادة الانتاج والانتاجية لعنصر العمل ويسهم فى مزيد من التخصص اللازم لتوفير الحاجات الانسانية المتجدد والمتغيرة والمتطورة . 

فالإسلام أهتم بتقسيم العمل من خلال تعدد صيغ التمويل الاسلامى : كالمشاركة والمضاربة والمرابحة والسلم والمساقاة والمزارعة والاستصناع . لتمويل المشروعات المختلفة زراعية كانت أم صناعية أو تجارية أو خدمية . كما جعل العلم أولوية لعمارة الارض ولاشباع الحاجات الروحية والمادية

ومن الأسس التى وضعها الاسلام لتنمية عنصر العمل والتخصص من أجل بذل العمل الصالح لانتاج الطيبات :-

1-لقد أكد الاسلام على أهمية الفقه والعلم ودعى لسعى لطلبه منذ اللحظات الأولى لنزول الوحى . قال تعالى : (اقرأ باسم ربك الذى خلق ) . وقال تعالى :(قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمنى مماعلمت رشدا ). والحديث : عن أبي موسى عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام  قال : " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه " . 

2-كما أكد الاسلام على أن تعليم وتأهيل المورد البشري  يسهم فى الاستغلال الامثل للموارد الطبيعية، قال تعالى : (قالوا يا ذا القرنين إن ياجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أنت جعل بيننا وبينهم سداً * قال ما مكني فيه ربي خير فاعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني افرغ عليه قطراً * فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا * قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا) . أي أن ذا القرنين رفض الخرج وأصر على أن يعلمهم في ظل امكانياتهم ، تكنولوجيا مناسبة يدرءون بها الشر عن أنفسهم .

3-إعداد العنصر البشري بالقيم والمثل والاخلاق والسلوك عن طريق تربيته تربية اسلامية صحيحة  وتعريفه أن كسب المال يتم بالحلال ، وأن يوجه جهده للانتاج الطيبات . الحديث قال النبي محمد عليه الصلاة والسلام: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ".

4- الايمان بالتفاوت فى الأرزاق ، وبتسخير الناس لبعضهم البعض ومن هنا يجب على الفرد المسلم السعي لكسب الرزق امتثالاً لامر الله والرضى بما قسمه الله وفق حكمته وعدله وعلمه بما هو صالح لهم، قال تعالى: (َأهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .

جاء في تفسير ابن كثير: " أي نحن نتصرف فيما خلقنا كما نريد بلا ممانع ولا مدافع ولنا الحكمة البالغة والحجة التامة في ذلك " .
وقد جاء فى الحديث القدسى : " أن الله سبحانه وتعالى قال : إن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الغني ولو افقرته لافسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الفقر ولو اغنيته لافسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا الصحة ولو اسقمته لافسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلحه إلا السقم ولو صححته لافسده ذلك . إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير "

 5- الإيمان بان مزاولة النشاط الاقتصادي عبادة وهو محاسب عليها . قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) .
 جاء في فتح القدير: أي لنسألن هؤلاء الكفرة أجمعين يوم القيامة عما كانوا يعملون في الدنيا من الأعمال التي يحاسبون عليها ويسألون عنها . وقيل إن المراد سؤالهم عن كلمة التوحيد والعموم عما كانوا يعملون يفيد ما هو أوسع من ذلك . وقيل إن المسئولين هنا هم جميع المؤمنين والعصاة والكفار.

6-  اعداد العنصر البشري علمياً وفنياً وتشجيع الابتكار. ولابد من تعليم العنصر البشرى العلوم و أحكام الشريعة فى مجال تخصصه ، حتى لا يقع في محظور أو شبهة حرام . قال تعالى : (..فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينزروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون ).
جاء في  تفسير القرطبى : أن الجهاد ليس فرض كفاية كما تقدم ، إذ لو نفر الكل لضاع من وراءهم من العيال فليخرج فريق منهم للجهاد وليقم فريق يتفقهون في الدين  حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع وما تجدد نزوله على النبي محمد عليه الصلاة والسلام. وهذه الآية أصل في وجوب طلب العلم " 

7-  توفير فرص العمل وفرضه على كل قادر منعا لأى نوع من البطالة ،  فالاسلام يحث الأفراد على اكتساب الرزق عن طريق العمل والسبيل الحقيقي للتنمية لا يكون إلا بتعبئة الطاقات البشرية لتوفير العمل لكل قادر يضمن تشغيل كافة الموارد الانتاجية للمجتمع .  يعتبر أن توفير الأعمال من واجبات الراعي على رعيته . 

8- البحث عن العمل حتى وإن أدى ذلك للهجرة الخارجية . قال تعالى :( إن الذين تتوفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين فى الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ..) وقال تعالى : ( ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الارض مراغم كثيرة وسعة).
جاء فى تفسير القرطبي : ألم تكونوا متمكنين قادرين على الهجرة والتباعد ممن كان يستضعفكم وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي . وروى عن النبي محمد عليه الصلاة والسلام أنه قال : " من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا استوجب الجنة " .
وقال السدي : المراغم المبتغي للمعيشة .
وقال إبن القاسم : سمعت مالكا يقول : المراغم الذهاب في الأرض .
وسعة أي في الرزق . قاله إبن عباس والربيع والضحاك .
وقال قتادة : المعنى سعة من الضلالة إلى الهدى ومن العيلة إلى الغنى

نسنتج مما سبق أن الأسس التى وضعها الاسلام لتنمية عنصر العمل والتخصص من أجل بذل العمل هي أسس صالحة للقيام بنهضة الدولة وتحضر المجتمع والوصول به للرفاهية وأخذ حقوقه وأدائها على الوجه المطلوب.

المصادر والمراجع:
-أبو حامد الغزالي – المستصفى، دار الجامعة – الإسكندرية – مصر 1998م.
- يوسف كمال – فقه الاقتصاد الإسلامي ، النشاط الخاص  دار القلم ، الكويت ، 1988م ط1 .
- صحيح البخاري، دار النهضة العربية – بيروت – 1986م.
-تفسير ابن كثير، مؤسسة الرسالة – ط1- بيروت – 1984م .
-الترمذي محمد بن علي ابن الحسن أبو عبد الله – نوادر الاصول في احاديث الرسول – دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1 – تحقيق عبد الرحمن عميرة.
- الشوكاني محمد بن علي – فتح القدير، دار القلم ، الكويت ، 1988م ط1.
-القرضاوي يوسف ابن عبد الله – فقه الزكاة – مؤسسة الرسالة – بيروت – ط15 – ج2 .
-تفسير القرطبي ، دار الجيل – بيروت – 1992 – ط1.

No comments :

Post a Comment