واجبات الإدارة الاسلامية ج1 (الدعوة الى الله وعبادته وتوحيده)

واجبات الإدارة الاسلامية ج1 (الدعوة الى الله وعبادته وتوحيده):

لاشك أن الإدارة في الإسلام والتي تقوم عليها مؤسسات إدارية منظمة ومرتبة تخاف الله وتؤدي ما هو مطلوب منها على أكمل وجه ،لها واجبات ومهام رئيسيه يجب عليها أن تؤديها على أتم وجه ومن هذة الواجبات :

الدعوة الى الله وعبادته وتوحيده:

إن أمر الدعوة  الى الله هو واجب على كل فرد من أفراد هذة الأمه وذلك لبيان طريق الحق للناس وإنقاذهم من براثن الجهل والضياع والظلام وإيصالهم إلى نور الله وهدايتهم إلى ما يصلح شأنهم في الدنيا والآخرة .

وهذا الواجب هو أمر من الله لعبادة المؤمنين الموحدين، حيث قال تعالى في كتابه العزيز:" ولتكن منكم أمه يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " آل عمران 104.

والدعوة مهمة ليست سهلة إذ أنها تتطلب من المؤمن المسلم الذي يريد أن يكون داعية إلى الله شروطا وواجبات وصفات يجب أن يتحلى بها، كالعلم والحكمة والقدوة الحسنه والفكر السليم البعيد عن الانحراف والانجراف والتشدد والتعصب والغلو والتطرف ،لأن ذلك مدعاة للنفور والهروب من دين الله. وفي هذا المقام يقول ربنا جل وعلا :"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي أحسن "النحل 125، وقال أيضا :"قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني" يوسف 108.

إن هذة الشروط الواردة في هذة الآيات الكريمات تبين أن الإسلام ليس فيه اكراه ولا إجبار ولا تعصب ولاغلو على اعتناق شيء ، بل إنه دين الرحمة واليسر والحكمة .

وهذا يوضح للدعاة المنهج والطريق التي عليهم أتباعها في الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى الحق وكذلك الحال فإن على الإدارات الاسلامية والأجهزة الرسمية في الدول الاسلامية تسخير امكاناتها وطاقاتها الاعلامية وأجهزتها المختلفة لتحبيب الناس بالإسلام وترغيبهم به من خلال البرامج الهادفة البنَّائة، والابتعاد عن كل ما يسيء إلى سمعة الدين وسمعة المسلمين لتكون صورة الدين مشرقه ناصعة في أذهان العالم، وخاصة في وقتنا الحاضر الذي تتعرض فيه الأمة الإسلامية لهجمة شرسة عليها وعلى دينها واتهامها بالتطرف والإرهاب والتعصب والأصولية .

 وإن انتشار الفضائيات ووسائل الإعلام يسهل مهمة الإدارة الاسلامية بالدعوة الى الله  أينما كانت وفي أي بلد ..

ومن معالم الدعوة إلى الله وعبادته وتوحيه لدى الإدارة :

- الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة:

من خلال الرفق بالمدعوين، ودراسة أحوالهم ، ومعرفة ظروفهم، ومساعدتهم في حل مشكلاتهم، والرفق بهم واللطف بهم، ثم دعوتهم إلى العمل بأوامر الله تعالى والبعد عن نواهيه، وتطبيق وصاياه، وجعل الإسلام  وتعاليمه هو الأولوية في حياتهم في أسرهم ومجتمعهم، كل ذلك تطبيقا لقول الله  تعالى مجده ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة).

- عدم التصادم مع أحد ممن تدعوهم إلى الله:

-ذلك لأن التصادم يولد الشقاق والشقاق يبعث النفاق والنفاق يطل برؤوسه الأربعة المتمثلة في الكذب والغدر والخيانة والفجور، ليعيث فسادا في الإدارة وفي المجتمع ويحيلها بلقعاً ومستنقعاً.

إن عدم التصادم رؤية حكيمة ومؤثرة لأنه على الإدارة فقط التبليغ وإيصال الرسالة( فمن شاء فليؤمن) (وما أنت عليهم بوكيل) (وإن تولوا يستبدل قوما غيركم ثم لايكونوا أمثالكم).

- الرقابة:

إن الرقابة بمفهومها العام تعني: التأكــد من أن المبادئ الآنفــة الذكر ـ التخطيـط ، التنظيم، التوجيـه ـ تسير في الاتجاه الصحيح نحو الأهداف المرسومة، ويكون ذلك بقياس الأداء، ومقارنـة النتائـج بالأهداف، ضمن معاييـر موضوعـة سلفاً لتصحيح وتعديل أي انحراف في الأداء، ضماناً لفاعليـة وكفاءة التنفيــذ.

ولعل أبرز ما يتسم به الإداري المسلم الرقابة الذاتية على نفسه، فهي تشمل كافة شئون الحياة الفردية والجماعية، حيث يعلم أنه خلق لعبادة الله وحده ، وبالتالي فإن جميع أفعاله ـ إداريـة أو دعوية ـ مقياس لمدى طاعته لأوامر الله، ثم محاسبة نفسه قبل أن يحاسبه خالقه، يقول تعالى: [إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء: 1.

والمسلم كذلك مطالب برقابة أخيه المسلم بالتناصح والتوجيه يقول تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ [التوبة: 71.

وإن كان ترتيـب الرقابة فـي الـنظرية الإدارية فـي النهاية، إلا أني أعتقد أن عنصر الرقابة هو العنصر الأول والملازم للعملية من بدايـة التخطيط وأثناء التنظيـم والتوجيه، وانتهاء بالتأكد من تحقيق الهدف المطلوب.. وبذلك يعي الإداري المسلم مدى نجاح دعوته المستمدة من الكتاب والسنة بتوفيق الله كسمة يجب أن يتميز فيها عن غيره.

- التوجيه والقيادة:
إن للتوجيه الإداري ارتباطاً وثيقاً بمهارات القياديين؛ لذا هو: فن وقدرة المدير على السير الصحيح بمن تحت إمرته وهدايتهم وتوجيهم، مع إشاعة روح الود والحب والرضا والتفاني والانتماء في العمل؛ حتى يتحقق الهدف المطلوب.

ولنجاح عملية التوجـيــه ينبغي مراعاة الاتصال الفعال الذي يربط قنوات النظام الداخلي والخارجي، مع وضوح أهداف النظام الكلية، والأهداف المطلوب تحقيقها من كل فرد يعمل لهـذا النظام على اختلاف مستواه.

أضف إلى ذلك رفـــع الروح المعنوية للأفراد العاملين في مجال الدعوة من تقديم التشجيع والثناء والمزيد من الحرية والتصرف، ناهيك عن الدافع الديني الذاتي لدى كل من يفهم معنى الدعوة وحجم الاستثمار فيها، ولايفوتنا الإشارة للتوجيه الرباني لكل من القائد وأتباعه {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الفتح: 29.

-التخطيط والتنظيم:

التخطيط للدعوة يبدأ من المنطلق الاستراتيجي (الإحكامي) البعيد المدى عن طريق القياديين ومفكري الأمة: مثل ما حصل في خطة صلح الحديبية ذات النظرة البعيدة الذي يعده بعض المؤرخين بداية الفتح الإسلامي الفعلي،ثم على الخطة أن تتسم بالواقعية والمرونة والشمولية، وكذلك تناسق الخطط فيما بينها لضمان استمراريتها.

يمكن تعريف التنظيم بأنه: "عملية بناء العلاقات بين أجزاء العمل، ومواقع العمل، والأفراد من خلال سلطة فعالة بهدف تحقيق الالتحام والترابط وأداء العمل بطريقة جماعية منظمة وفعالة".

ويأتي دور التنظيم لضمان تنفيذ الخطط بالشكل المطلوب، أو بمعنى آخر تنظيم التنفيذ دون الارتباك في توزيع العمل، والتنظيم مهم لتحديد مهام وواجبات كل الأفراد ـ أعضاء المنشأة ـ، وكذلك تحديد وبيان علاقة كل فرد وأين موقعه من الجماعة، وتوزيع السلطات والصلاحيات لمستويات الأفراد المختلفة؛ كل ذلك من أجل إيجاد تنسيق بشري يساهم فيه كل فرد لإنجاح مسيرة العمل الإسلامي، ولنا من الهجرة النبوية إلى المدينة درس يمثل غاية التنظيم والتنسيق لإحكام خطة الهجرة، وتوزيع العمل والمسؤوليات على الأفراد حسب تخصصهم دون فوضى، وعمل الاحتياطات اللازمة لكل حادث قد يصادف تلك الرحلة. وبالإخلاص وتظافر الجهود تتحقق الأهداف المنشودة بإذن الله.

ومن نتائج واجب الإدارة في الدعوة إلى الله تعالى والدعوة إلى الإسلام:

- نشر الأمن والأمان بين الموظفين، والثقة فيما بينهم، والثقة فيما بين الإدارة وموظفيها:

 ذلك لأن العمل على نشر الإسلام والدعوة إلى الله تعالى بإتباه أوامره والابتعاد عن نواهيه، يضفي حالة من الطمأنينة والسكينة ، فيعمل الموظفون بجد واجتهاد، ويقدمون أحسن ما عندهم ، لارتباط أعمالهم بالله تعالى والدار الآخرة.

- صدّ الفساد ومحاربته وانكماشه وانزواءه:

ذلك لأن الفساد ينتشر في مستنقع البعد عن الله تعالى وفي ظلام دياجير تهميش دور الإسلام في الإدارة، فترى الرشوة منتشرة، والمحسوبية طاغية، والواسطة تنخر في جسد الإدارة، لأن كل ذلم ينتشر إذ كان الموظفون لا يخشون الله ولا يخافون عقابه، وليس لديهم رقابة ذاتية من أنفسهم، خاصة إذا كانت الإدارة تحارب الإسلام وتسخر من الدعاة إلى الله والدعاة إلى الخلق الفضيل، وبوجود الإدارة تمارس أعمالها على النحو المطلوب وتمارس معه من موقعها الدعوة إلى الإسلام وإبراز فضائلها وتبيان تاريخه الناصع، وتدعو للتمسك بالقرآن الكريم والاقتداء برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كثيرا من الفساد ودواعيه وروافده سيختفي تدريجيا ويضمحل شيئا فشيئا، ويسود الصلاح والمحبة في أرجاء الإدارة من رأسها لقاعدتها.

-محاسبة المقصرين ومعاقبة المخطئين:

في الإدارة الإسلامية لا مكان للمحسوبية ولا مجال للواسطة، فكل مخطئ يحاسب على خطئه بحسب خطئه بعدل وانصاف دون تحيز أو تميع أو تشدد.

وذلك يتحقق حينما تكون الإدارة قائمة على أعمالها بجد وإخلاص، ومراعية لأوامر الله وتجعل من التقوى والصدق والأمانة الأولوية في التعامل ، إضافة للجد والاجتهاد والابداع والابتكار.

ولما تقوم الإدارة على الأخذ بنهج الإسلام والدعوة إليه بحسب موقعها فإن ذلك يؤدي إلى عدم التهاون في معاقبة المقصرين والمخطئين عن عمد، ليرتدعوا ويرتدع من ورائهم.

المصادر والمراجع:

- حزام بن ماطر المطيري ، الإدارة الاسلامية ، المنهج والممارسة ، مكتبه الرشد ، الرياض ، 2004.

- أهمية مباديء الإدارة في الدعوة، نبيل بن جعفر الفيصل، 20/03/2016.

-الإدارة في عصرالرسول محمد صلى الله عليه وسلم،أحمد عجاج كرمي،دار السلام القاهرة 1427هـ