Saturday, April 9, 2016

إشباع الحاجات في الاقتصاديات المختلفة في الفكر الغربي الرأسمالي والاشتراكي والفكر الإسلامي


إشباع الحاجات في الاقتصاديات المختلفة في الفكر الغربي الرأسمالي والاشتراكي والفكر الإسلامي:
إشباع الحاجات في الفكر الغربي:
يُسمى هرم الحاجات لماسلو، والذي قدمها في عام 1954 في كتابه "الشخصية والدوافع الإنسانية "، وتتلخص بالتالي:
الأول: مستوى الحاجات العضوية التي يشترك فيها الإنسان مع الحيوان في توقف حياته على إشباعها كالأكل والشرب والإخراج.
والثاني: حاجات الأمن الجسدي من الألم والإيذاء كالملابس والمسكن، والأمن المعنوي تدفعه إلى الاطمئنان على مستقبله.
والثالث: الحاجات الاجتماعية مثل الرغبة في الانتماء.
والرابع: حاجات التماس التقدير الاجتماعي.
والخامس: الحاجات التي تحقق للفرد التعبير عن الذات، وتحقيق ما له من إمكانات.
والحدَّ الأدنى من المعيشة قد يُطلق على الفقر المطلق أو النسبي، حيث أنَّ الفقر المطلق هو حرمان الفقراء من الناحية المادية إلى حدٍّ يكون حياتهم على حافة الخطر، وأمَّا الفقر النسبي فالفقراء فيه يكونون أقل حرمانًا مقارنة بالفئات الاجتماعية الأخرى في الحصول على الأساسيات المادية، وهذا هو حدٌّ منخفض.
 وقد اختار عبد الرزاق الفارس تعريفًا أشمل للفقر بأنَّه" عدم القدرة على تحقيق مستوى معين من المعيشة المادية يمثل الحد الأدنى المعقول والمقبول في مجتمع ما من المجتمعات في فترة زمنية محددة".
ومفهوم الفقر تطور من تحديده بالدخل المنخفض إلى اعتبار الفقر هو الحرمان من القدرات الأساسية وليس مجرد تدني الدخل، كما حدده أمارتيا صن (الحائز على جائزة نوبل عام 1998م) بالحرمان من القدرات، ورَبطُ الفقر بالحرمان يُشير إلى ثلاثة أبعاد رئيسة، الأول : يرتبط بالعيش والبقاء والوفاة في سن مبكرة جدًا، والبعد الثاني: مرتبط بالمعرفة وعدم القدرة على القراءة والاتصال، والثالث: مرتبط بمعيار أو مستوى الحياة المعيشية.
ولقياس الفقر يُستخدَمُ مؤشران، الأول: مؤشرات الدخل. والثاني: خطوط الفقر، والتي تمثل محاولة منهجية لوضع تقدير كمي للحد الأدنى من الحاجات الأساسية التي ينبغي تحقيقها من أجل استمرار الحياة الإنسانية للفرد بطريقة مقبولة، وتُقسّم خطوط الفقر إلى خط الفقر وخط الفقر المدقع.
وخط الفقر (Poverty Line) يُعَرَّف بأنه: إجمالي تكلفة السلع المطلوبة لسد الاحتياجات الاستهلاكية الأساسية المطلوبة.
 وخط الفقر المدقع (Poverty Line Extreme) يُعرَّف بأنه: الحد الأدنى الإجمالي لتكلفة السلع الغذائية الأساسية اللازمة لاستمرار الحياة، وحدده اقتصاديو البنك الدولي بـ (2250) سُعرة حرارية لكل فرد في اليوم.
 ورؤية المذاهب الاقتصادية لمسألة إشباع الحاجات تنطلق - كما ذكرنا- من رؤيتها للحياة الاقتصادية بشكل عام.
فالنظام الرأسمالي يقوم "أساسا على دافع المصلحة الشخصية، ويمثلُ سعي مُلاكِ وسائل الإنتاج لتحقيق أقصى ربحٍ ممكنٍ الصورةُ الأساسيةُ للمصلحة الشخصية في إدارة النشاط الاقتصادي للمجتمع الرأسمالي، ومن هنا يأتي اعتراف النظام الرأسمالي بالحاجات واهتمامه بها في حدود ما تسهم به في تحقيق الأرباح لهذه الفئة، وذلك بغض النظر عن درجة إلحاحها"، ولذا هُمِّشت أنشطة ومجالات رغم أهميتها لمجموع الناس وآحادهم؛ لأنَّ الحاجة في السوق ليس لها قيمة إذا لم ترافقها قوة شرائية، ومقدرة نقدية.
وهذا هو الملاحظ في السياسات الاقتصادية للدول القائمة على هذا النظام فَجُلُّ سياستها واهتماماتها منصرفة لهذه الفئة، وما تبقى فيُوجه كدعمٍ لطائفةٍ من المجتمع قد يَصِلُ، وقد يَمنَعُ من وصوله مانعٌ تنظيمي، أو ثقافةٌ اجتماعية معينة. فتتكون عندنا طائفة تتمتع بكل الامتيازات وتشبع رغباتها، وطائفة لا تكاد تنال إلا الفتات الذي تشبع به بعض حاجتها الأساسية.
 ولم يكن محض خيالُ ذلك الذي صوره جون شتاينبك (روائي أمريكي حاز جائزة نوبل للآداب عام 1962) في إحدى رواياته لأطفال الأحياء الفقيرة في مدينة أميركية، وهم يزحفون لالتقاط بضع ثمرات من التفاح من بين الأكوام التي صب عليها الجازول .
وفي أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبِي، حيث تبلغ نسبة الأطفال سيئي التغذية 80 بالمائة في بعض البلدان، تُخصص نحو نصف الأراضي الزراعية، ودائمًا أفضل الأراضي لإنتاج المحاصيل والماشية من أجل نخبة محلية، وللتصدير بدلا من إنتاج الغذاء الأساسي للشعب ".
وبالتتبع التاريخي لنشأة مسألة إشباع الحاجات نصل إلى أن هذه المسألة ليست من أصول الاقتصادي الرأسمالي.
 فمنذ القرن السادس عشر،لم تكن نظرة الغرب إلى مساعدة الفقراء سوى وسيلة لتنظيم العمالة وتهدئة خواطرها وتنظيم الاقتصاد الوطني، فإنَّ هذه البرامج كانت وسيلة للسيطرة على العاطلين ولاستعادة الأمن والاستقرار، وعندما تخمد سطوة الغضب فإنَّ نظام الإعانات يأخذ في التقلص، وتعود معاملة الأنظمة للعجزة والمسنين والذين لا يرغب فيهم سوق العمل معاملة رديئة تخيف العاملين من تردي أوضاعهم إلى مثل أوضاع الذين يعيشون على هذه الأنظمة، فيقبل العامل من أجل ذلك أحط الأعمال بأبخس الأجور، واستمر الأمر كذلك وحتى بعد اعتماد برامج الإعانات فقد كانت تعامل صاحب الحق بنظرة دونية ليست نظرة مجتمعية فقط، وإنما قانونية.
فلم تمنح بريطانيا حتى عام 1918م، الذين يتلقون حق الإعانات حق التصويت، وكذلك كان الحال حتى عام ٍ1934م في الولايات المتحدة، إذ أن دساتير أربعة عشر ولاية حرمت هؤلاء حق الانتخاب، وحق تقلد المناصب العامة".
وليست هذه حادثة تاريخية بل هي طبيعة ثابتة من طبائع النظام الرأسمالي.
فبعد انتهاء الحرب الباردة بدأت العولمة تكشر عن أنيابها، وتعلن صراحة أنَّ ما كان من إشباع لحاجات الفئة المحتاجة من المجتمع سوف ينتهي؛ وذلك لأنَّ رؤوس الأموال لن تسمح باستمرار أخذ شيء منها بدون مقابل من عمل أو خدمة، وهذا ما يروج له منظرو العولمة الذين يطلقون مقولات خطيرة تخبر بهذا الهدف ومنها:
 "إنَّ مراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء أصبحت عبئًا لا يطاق، وإنَّ دولة الرفاه تهدد المستقبل، وأنها كانت مجرد تنازل من جانب رأس المال إبان الحرب الباردة، وإن ذلك التنازل لم يعد له الآن ما يبرره بعد انتهاء هذه الحرب،
 أو القول مثلا: على كلِّ فردٍ أنَّ يتحمل قدرًا من التضحية حتى يمكن كسب المعركة في حلبة المنافسة الدولية. أو الادعاء بأنَّ شيئًا من اللا مساواة بات أمرًا لا مناص منه .
 ومما يدلل على أهمية هذه التصريحات والأقوال أنها خرجت من الإطار النظري إلى الإطار العملي، أو من مجرد أقوال إلى أفعال فقد " وجدت هذه الأفكار انعكاسها الواضح في السياسات الاقتصادية الليبرالية، التي تطبق الآن في مختلف دول العالم دون مشاركة الناس أو موافقتهم على تلك السياسات" .
وبالنسبة لرؤية النظام الاشتراكي للحاجات وتحديدها فقد أدرك أهمية الحاجات بشكل عام، وبدورها الفعال في تحديد نمو المجتمع وتطوره، ولذا فإنَّ النظام الاشتراكي الذي يمثل – في تصور دعاته– المرحلة الأولى للشيوعية، يسعى للتحكم في تطور المجتمع، ويحاول دفع نموه نحوها بسرعة، ويستعين بمفهوم الحاجات في هذا الصدد، ويستند النظام الاشتراكي في تحديده لمفهوم الحاجات إلى الفلسفة الماركسية – اللينينة، والذي يقوم بتحديد الحاجات وترتيبها وتوجيه الموارد المتاحة لإشباعها هو جهاز التخطيط الذي يقوم المشرفون فيه بتحديد احتياجات المجتمع من سلع وخدمات، بناءً على الفلسفة الماركسية.
وبغض النظر عن أنَّ هذه الفلسفة المادية قد أثبت التاريخ فشلها، لمخالفتها المعقول وما فُطر الناس عليه، فإنَّ تحديد هذه الاحتياجات لم يكن منضبطًا، فقد كان يتم الاهتمام بأنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية رغم أنها لا تُشبع الاحتياجات الأساسية للمجتمع، وبالعكس قد نجد مجالات حيوية مهمشة.
وقد مرت التجربة الاشتراكية الماركسية بفترة حكم طويلة نوعا ما (قرابة 70 سنة) استطاعت أن تؤمن مستوى أولي من الضروريات لأفرادها، ولكنها قامت بالمقابل بجعل الناس طبقة واحدة، ليست الطبقة التي تحقق الإشباع الكافي لكل أفرادها، وإنما أكبر طبقة يمكن أن تكون البشرية قد عرفتها تعيش على الحد الأدنى من الضروريات، وإن كان هناك طبقة أخرى تستأثر بأكبر قدر من إشباع الحاجات فهي طبقة القيادات الحزبية.
وهذا أدى إلى ما عرف من انتفاضة شعبية في نهاية الثمانينات ضد الأفكار الاشتراكية وخروج الجماهير تدك معالم هذا النظام، وانهيار هذه المنظومة في فترة قياسية جدًا يؤكد عدم قدرتها على حل مشكلة إشباع الاحتياجات، وإنما تفاقمت هذه المشكلة بشكل مهول لما قدمنا من توسيع دائرة المحتاجين للدولة. والتجربة تقريبًا انتهت، وما بقى منها فهو في مرحلة النزع الأخير، أو تغيير الشكل، ولم يتبق إلا الاسم وقليلٌ من المُسمى.

إشباع الحاجات في الفكر الإسلامي:
الرؤية الإسلامية لإشباع الحاجات الإنسانية تنطلق من الحكمة من خلق الإنسان التي حددها الله عز وجل في قوله تعالى:)وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)([الذاريات/56]، ومن جملة الأمر بالعبادة لله عز وجل الأمر بالسعي في هذه الأرض لإشباع الحاجات المشروعة وفق الوسائل المشروعة.
فإذا فعلها المسلم بنية التعبد -وإن كانت إشباع حاجة خاصة- فهو مأجور لأنَّه بهذا الفعل (الذي هو إشباع حاجة مباحة وفق وسائل مباحة) يوافق شرع الله عز وجل فيستحق الثواب من الله، ولذا قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم:[ وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ له فيها أَجْرٌ قال أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ أَكَانَ عليه فيها وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إذا وَضَعَهَا في الْحَلَالِ كان له أَجْرًا]".
 فالمؤمن إذا كانت له نية أتت على عامة أفعاله، وكانت المباحات من صالح أعماله لصلاح قلبه ونيته"، وقد يأثم إذا لم يشبع حاجته كما قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: [لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عن سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي].
وبعد هذا النظر في الحكمة من الخلق، ومعرفة مكانة مفهوم إشباع الحاجات المباحة في الإسلام ننظر إلى أمرٍ وتوجيهٍ آخر متفرع من الأمر العام بالعبادة، وهو التوجيه بإعمار الأرض الذي يؤخذ من قوله تعالى: (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)[هود/61]، أي: أمركم بعمارتها من بناء المساكن وحفر الأنهار وغرس الأشجار وغيرها، فينتج أنَّ مسألة تحديد الحاجات وترتيبها ترتبط بفكرة عمارة الأرض؛ فالإسلام يقرن اعترافه بالحاجات بإنماء الطاقات اللازمة بعمارة الأرض، كما يُرتِّبها حسب درجة إلحاحها من هذه الناحية.
والاعتراف بالحاجة في الإسلام يقوم على شرطين: الأول: هو أنْ تكون الحاجات انعكاسًا صادقًا لظروف المجتمع، والثاني: أنْ يكون تعبيرُ الأفراد عن حاجتهم مؤديٍا إلى إنماء المجتمع. وهذا يؤدي إلى إبعاد أي إسراف في استخدام موارد الإنتاج.
ولذا يكون التعريف للحاجات الموافق لما قدمناه هو أنَّ الحاجة "عبارة عن مطلب للإنسان تجاه الموارد المتاحة له يؤدي تحقيقه إلى إنماء طاقته اللازمة لعمارة الأرض". وفي هذا التعريف الاعتراف بالحاجة بناءً على أنْ إشباعها يحقق إنماء طاقات المجتمع، فلا يصدق عليها وصف الحاجة إن لم يتحقق فيها ذلك.
وأغلب العلماء يسير ترتيب الحاجات في الاقتصاد الإسلامي على سير علماء الأصول والمقاصد في ترتيب المصالح إلى ضرورية وحاجية وتحسينية وعلى رأسهم الغزالي والشاطبي  كالتالي:
أولا: الضروريات: وتقوم على حفظ أمور خمسة جاءت الشريعة بحفظها، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
ثانياً: المصالح الحاجيَّةَ: وهي التي يحتاجها الناس لتأمين معاشهم بيسر وسهولة ، وحيث لم تتحقق واحدة منها أصاب الناس مشقة وعسر.
وثالثاً: المصالح التحسينية: وهي الأمور التي يقتضيها الأدب والمروءة ، ولا يصيب الناس بفقدها حرج ولا مشقة ، ولكن الكمال والفطرة يجدان فقدها.
وأمَّا ابن خلدون فقد سماها حاجات الناس، وجعلها ضروري وحاجي وكمالي.
والتكييف الإسلامي للحاجات وترتيب الحاجات بناء على درجة إنماءها لهذه الطاقات، يؤدي إلى توجيه النشاط الاقتصادي إلى تلك المجالات التي تلزم لإشباع الحاجات الحقيقية له.
 فمن خلال قصر استخدام الأفراد أو الدولة للموارد المتاحة على إشباع هذه الحاجات يصبح هيكل الناتج القومي، وبالتالي هيكل النمو الاقتصادي متطابقاً مع هيكل الحاجات الحقيقية للمجتمع، الأمر الذي يُمكِّن من إشباع قدر أكبر من حاجاته من نفس القدر المتاح من موارد الإنتاج. وهو كذلك يؤدي إلى رفع معدل النمو الاقتصادي للمجتمع من خلال إنماء الموارد المتاحة ومنها مورد العمل، فيزيد عدد القادرين على العمل. كما أنَّ منعه للاستهلاك الترفي مع زيادة الدخل بسبب رفع إنتاجية العمل يؤدي إلى زيادة الادخار التي عادة تتحول إلى استثمارات ومشاريع إنتاجية، تزيد القدرة الإشباعية للناتج القومي التي تعني زيادة قدرة موارد الإنتاج المتاحة للمجتمع على إشباع قدر أكبر من حاجاته، وتعني إنماء طاقاته بشكل أفضل، وتحقيق معدل أعلى للنمو الاقتصادي.
وعدم التعارض بين إشباع الحاجات وزيادة النمو الاقتصادي يؤكده ما ذهبت إليه دراسة تطبيقية على عينة مكونة من تسعة عشر دولة من أعضاء منظمة مؤتمر العالم الإسلامي، ووصلت فيها إلى نتيجة عدم وجود تضارب بين النمو الاقتصادي السريع وهدف تلبية الاحتياجات الأساسية ، كما أنَّ إشباع الحاجات الأساسية للأجيال الصاعدة وفق هذا التصور يعني استمرار الحياة البشرية، وظهور الجيل الذي يبذل الجهد الفكري والبدني، ويقدم التضحيات اللازمة لتحقيق أقصى كفاءة في استغلال خيرات الكون وعمارته، وصولاً إلى تخليص الأمة وتحقيق استقلالها الحضاري.
وهناك وقفة مهمة في النظام الاقتصادي الإسلامي في هذا الجانب، وهي أنَّ مسألة إشباع الحاجات ليست حكراً على الدولة، وإنما تبدأ من الفرد نفسه كعضو في أسرة اجتماعية، ثم ما هو أوسع من الأسرة ألا وهي العاقلة والقبيلة، ثم مشاركة بقية المجتمع بواجب الأخوة الإسلامية والأخوة الإنسانية.
بل وصلت مسألة وجوب إشباع الحاجات الأساسية أن تعدت دائرة الإنسانية إلى دائرة أوسع، وهي دائرة بقية المخلوقات حتى وصل أثرها إلى إشباع حاجات الجن والحيوانات. ففي حق الجن ما جاء من النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث كما قال رسول اللَّهِ محمد صلى الله عليه وسلم: [لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ ولا بِالْعِظَامِ فإنه زَادُ إِخْوَانِكُمْ من الْجِنِّ] ،  وأمَّا الحيوان فقد رَتَّبَ على إشباع حاجته غفران الذنوب، ودخول الجنة كما جاء أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ محمد صلى الله عليه وسلم قال: [بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عليه الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فيها فَشَرِبَ ثُمَّ خَرَجَ، فإذا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى من الْعَطَشِ، فقال الرَّجُلُ: لقد بَلَغَ هذا الْكَلْبَ من الْعَطَشِ مِثْلُ الذي كان بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلَأَ خُفَّهُ مَاءً ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ حتى رقى فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ الله له فَغَفَرَ له. قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لنا في هذه الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا، فقال: في كل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ]، وفي رواية [فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ] .
 وفي المقابل رتبَّ استحقاق النار لمن منع الحيوان من إشباع حاجته من الطعام والشراب فعن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: [دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا فلم تُطْعِمْهَا ولم تَدَعْهَا تَأْكُلُ من خَشَاشِ الأرض].  
ويُلاحظ أن المستفيدين من عملية إعادة التوزيع في الاقتصاد الإسلامي يغلب عليهم مسمى الحاجة، وخاصة في مرحلة توفير حد الكفاف وحد الكفاية. وينقسمون إلى فئتين:
1.فئة يتميز أفرادها بالعجز والفاقة، ومنهم الفقراء والمساكين والمرضى والمقعدين والمكفوفين وكبار السن والمحتاجين واللقطاء.
2.فئة قد لا يتصف أفرادها بالفقر أو العجز، ولكنهم يحتاجون إلى المساعدة، ومنهم المدين والغارم، والقاتل خطأً، وأيضًا الأسرى وذوي القربى والجار والضيف، ومن شُرِعَ الإنفاق عليهم في حالات المجاعات والقحط والكوارث العامة كالزلازل والفيضانات والحرائق، أو في الإعانات العائلية كمساعدة الزواج، وعلاوات الأولاد.
فيتبين لنا أن إشباع الحاجات في الفكر الإسلامي هو أوسع مجالا من الفكر الرأسمالي والاستراكي، كما أنه أعمق أثرا ايجابيا ونفيا للسلبيات التي يحدثها الفكر الرأسمالي والاشتراكي، وهذا ما أثبته التاريخ في عهد الخلفاء الراشدين وفي عهد عمر بن عبد العزيز لما اأشبع حاجات الناس على الطريقة الإسلامية بفكرها المعتدل العادل حتى فاضت الأموال.

المصادر والمراجع:
- دوافع الفرد بين المنهج الإسلامي والفكر الغربي، طارق عبد الحليم، مجلة البيان- لندن، العدد 18، شوال 1409هـ- مايو 1989م.
- الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي. عبدالرزاق الفارس. مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. ط 1. 2001م 9.
- مفهوم الحاجات في الإسلام وأثره على النمو الاقتصادي، عبدالله عبدالعزيز عابد، بحث مقدم للمؤتمر العالمي الثاني للاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة،.[1] - الحاجات الأساسية في الاقتصاد الإسلامي. صالح الصالحي. ندوة السياسات الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي. البنك الإسلامي للتنمية. المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب. الندوة36. الجزائر 1411هـ- 1990م.
- أمراض الفقر. فيليب عطية. سلسلة عالم المعرفة. المجلس الوطني للثقافة والفنون - الكويت. العدد (161).
- صناع الجوع وخرافة الندرة. فرانسيس مور لاپيه. وجوزيف كولينز. ترجمة: أحمد حسان. سلسلة عالم المعرفة.  إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت. العدد (64). إبريل 1983م .
- فخ العولمة، هانس - بيترمارتن-هارالد شومان، ترجمة: عدنان عباس علي، سلسلة عالم المعرفة، إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت، أكتوبر1998م، العدد 238.
- صحيح البخاري، (ج5/ص1949، رقم4776) و صحيح مسلم، (ج2/ص697، رقم106). وصحيح ابن حبان (ج9/ص475، رقم4167).
- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، دار الآفاق الجديدة - بيروت، ط 1، 1403 هـ / 1983م.
- الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، مكتبة العبيكان - الرياض، ط 1، 1418هـ- 1998م، تحقيق: عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد عوض، ج 3.
- المستصفى في علم الأصول، أبو حامد محمد الغزالي ، دار الكتب العلمية – بيروت، ط1، 1413، تحقيق: محمد عبدالسلام.
-الموافقات في أصول الفقه، إبراهيم بن موسى الشاطبي، دار المعرفة - بيروت، ط 2، 1416هـ- 1996م، تحقيق: عبد الله دراز.
-إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، دارالفكر–بيروت، ط1، 1412 - 1992، تحقيق: محمد البدري.
- الحاجات الأساسية ومستوى الدخل في الدولة الإسلامية، عبدالمحمود محمد، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، جدة، الاقتصاد الإسلامي، مجلد 13، 1421هـ-2001م .
- الموارد المالية في الإسلام، أحمد المزيني، ذات السلاسل- الكويت، ط 1، 1414هـ- 1994م.

No comments :

Post a Comment