Monday, April 4, 2016

الإدارة السياسية والعسكرية للخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه



الإدارة السياسية والعسكرية للخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
لقد كان الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه حاله كحال بقية الأصحاب رجلا شجاعا وفارسا مغوارا وقائدا عسكريا وسياسيا فذا، لكنه يفوقهم بكل ذلك؛ وذلك لأنه اكتسب الخبرات والمعارف منذ صغره فتشكلت فيه شخصيه القائد الإداري والسياسي والعسكري الناجح، فكان رجل المبادئ والمثل والأخلاق الفاضلة.
وقد طبق في حياته العملية العسكرية والسياسية مبادئ كثيرة كانت وما زالت منارات يهتدي بها من أراد الوصول إلى قمة النجاح الإداري والسياسي والعسكري،ومن هذه المبادئ نذكر ما يلي :
1.الشجاعة والإقدام :
لقد كان الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجلا شجاعا وفارسا مغوار له نزالات كثيرة ومبارزات متعددة مع فرسان المشركين وقادتهم ،وكان دائما هو الغالب والمنتصر ويقول أحد الباحثين في حقه :" لقد كان شجاعا في الحرب لا يعرف الفرار منها مهما أحكمت ظروفها الصعبة ..." .
2.الحذر واليقظة والانتباة :
وهي صفة لابد منها في الحروب  والمعارك وخاصة المكشوفة منها،حيث تحتاج إلى دقة وانتباه وحذر ويقظة تامة كي لا يؤخذ الفارس على حين غرة من عدوه ، وقد كان الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه "حذرا في الحروب شديد الروغان من قرنه،لا يكاد احد يتمكن منه وكان درعه صدرا لا ظهرا له ...".
3.الحكمة:
لقد امتاز الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالحكمة والتروي وكان يوصي قادة جيشه بهذه الصفة؛ لأن فيها تحقيق المبتغى والهدف ،حيث يقول لأحد قادته :"فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبل الإشراف أو سفاح الجبال أو أثناء النهار كي  لا يكون لكم رداءا ودونكم مردا ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين ...".
4.الاستطلاع :
لا يمكن للحروب أو الخطط أن تنجح وتؤتي ثمارها إلا إذا كانت محاطة بأكبر قدر من السرية واليقظة ،وكذلك فإن لغلبة على العدو تكون بعد كشف أسراره ومعرفة أخباره والإطلاع على تفاصيل قوته ، يكون ذلك بالعيون والجواسيس والاستطلاع والاستخبارات ، وقد تنبه الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لذلك فكان يأمر قادة جنده بهذا الأمر ،حيث يقول لأحدهم موصيا :" ...واجعلوا لكم رقباء في فيافي الجبال ومناكب الهضاب لئلا يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة طلائعهم ، ..." وهذا يدل على بعد النظر والحنكة العسكرية والخبرة القتالية ، ولاشك أن ما ورد في وصية الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما زال يطبق إلى اليوم من قبل الجيوش أثناء مسيرها وتحركها الى أهدافها .
5.تكتيكات الانسحاب :
إن مرحله الانسحاب مرحله خطرة تكون فيها القوات بأضعف حالاتها،فإذا لم تنتبه وتأخذ حذرها فإن العدو سيتمكن منها ، وقد أوصى الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه قادته بالانتباه إلى هذه اللحظة ،فيقول:" ..... وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعاأ وإذا ارتحلتم فارتحلوا جميعاأ ، واذا غشيكم الليل فاجعلوا الرماح كفه، ولا تذوقوا النوم  إلا غرارا أو مضمضمه " .
6.الدعوة للصمود والصبر في القتال :
يقول الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه لأصحابه :" لا تستصعبوا فرة تفرونها بعدها كرة تجبرون عليه إنما الذي ينبغي عليكم أن تستصعبوا  فرة لا كرة "، "ويقول أيضا  :  " ..... ولا تشددن عليكم فرة بعدها كرة ولا جولة بعدها حملة وأعطوا السيوف حقوقها ..وأميتوا الأصوات فانه أطرد للفشل ".
7.طاعة القائد وامتثال اوامرة :
وهذا لاشك هو سمة الجنود المخلصين بأهدافهم وقيمهم  ومبادئ أمتهم وهو سبب النجاح والانتصار ليس في الحروب فحسب بل في كل أنواع المسؤولية مهما صغرت أو كبرت، وكان الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوصي جنده بالطاعة وامتثال الأوامر حيث يقول :" ...وجعل الوالي منكم بمنزلة الوالد من الولد وبمنزله الولد من الوالد ....وإن حقكم عليه  إنصافكم والعديل بينكم والكف عن فيئكم ،فإذا فعل ذلك معكم وجبت طاعته بما وافق الحق ونصرته على سيرته، والدفع عن سلطان الله، فإنكم وزعه الله في الأرض فكونوا له أعوانا ولدينه أنصارا، ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها إن الله لا يحب المفسدين ".
8.البعد عن الغرور :
يوصي الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه القائد والجندي بعدم الغرور والزهو بالنفس لأن ذلك الغرور هو مقتل الرجل، ولأن التواضع من شيم الناس الكرام أصحاب الخلق الحسن ، فيقول في هذا :" إياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الإطراء فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ..وإياك والمنّ على رعيتك بإحسانك أو التزيد فيما كان من فعلك ....فإن المنّ يبطل الإحسان والتزيد يذهب بنور الحق ...".
9.مشاركه القائد لجنودة والاختلاط بهم :
هذا وقد استمر تطور النظم الإدارية في الدولة الاسلاميه والبناء على ما أنجز وتحقق في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ وقد توسعت أركان وأجهزة الدولة ومؤسساتها واتسعت بأتساع رقعه الدولة الاسلامية وامتدادها ،حيث تم تأسيس دواوين (وزارات )مختلفة لتقوم بالمهام والواجبات التي تتزايد وتتسع فقد تشكل –إضافة إلى ديوان الجند والخراج – ديوان الرسائل  ، وديوان البريد ، وديوان المستغلات - وهو الذي يدير أموال الدولة الغير منقولة -  ، وديوان النفقات وديوان الصدقات ، وديوان الخاتم وديوان الطراز ، وبذلك تكون أجهزة الدولة قد كبرت وامتدت وأصبحت تقوم بواجبات ضرورية ومهمة لحفظ حقوق الناس ومعرفه كل ما يتعلق بهم من قيود ومعلومات وهو ما شكل نواة لأجهزة أداريه متكاملة  ظهرت في زمن الدولة الأموية والعباسية.
وقد أدارها الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بكل حنكة ومساواة وعدل، فأعطى كل شيء حقه، ونظمها أحسن تنظيم.
10.الثناء على المجتهد وإعطاء كل ذي حق حقه:
من غير المشكوك فيه ان المرؤوس ترتفع معنوياته ويبلي بلاء حسنا ويعطي أقصى ما عنده من طاقه ويقبل على العمل باندفاع وحماس ،عندما يشعر أن هناك من يُقَدِّر تعبه وجهده، وهذا ما فعله علي رضي الله عنه مع مرؤوسيه فكان يوصي قادته وولاته وعماله قائلا:" وواصل في حسن عليهم وتعديد ما أبلى ذوي البلاء منهم فإن كثرة الذكر لحسن أفعالهم تهز الشجاع وتحرض المتكاسل إن شاء الله تعالى، ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضيفن بلاء امرئ لغيره " وهنا تأكيد على ان يأخذ كل ذي حق حقه وأن لا يعطى احد ما لا يستحق من التقدير والمدح والثناء لأن ذلك مدعاة إلى الشعور بالغبن والظلم والقهر .
11.قبول الصلح والهدنة :
لقد رأينا ان هذا المبدأ هو مبدأ إداري حربي نبوي طبقه رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام،وفعله ودعا اليه الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما أوصى أحد قادة جيشه قائلا:" ولا تدفعن صلحا دعاك إليه عدوك لله فيه رضا ،فإن الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمنا لبلادك، وليكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم ..." .
12.الوفاء بالعهد وحفظ الوعد:
إنها شيم الكرام والقادة الخيرين وصفة العرب الطيبين وهو أمر الرسول الكريم لأتباعه من أمته إلى يوم الدين ، وقد أخذ به الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه قائلا:" ....وإن عقدتَ بينك وبين عدو لك عقدة، أو ألبسته منك ذمة، فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك بالامانة واجعل نفسك جُنَّة دون ما أعطيت ".
إن ما سبق بيانه وذكره من شيم وصفات تدل وبما لا يدع مجالا للشك ان الإمام الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،كان قائدا إداريا وسياسيا وعسكريا فذا ناجحا وبكل المقاييس،بل كان قدوة يحتذى بأخلاقياته ومبادئه الإدارية والسياسية والعسكرية ،ذلك أنه خريج مدرسة النبوة الطاهرة، وهو من خير بيت من العرب من آل البيت الأطهار الأخيار عليهم سلام الله،"إنما يريد الله ان يذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا " .صدق الله العظيم.
المصادر والمراجع:
-علي عطيه شرقي ،علي بن ابي طالب شخصيته وإدارة الدولة في عهدة ،دار الكندي ،اربد الأردن ،2001
-عبد المنعم محفوظ ،نعمان الخطيب ، مبادئ النظم السياسية ،دار الفرقان ،عمان ،1987.
-نزار عبد اللطيف الحديثي ، محاضرات في التاريخ العربي،بغداد 1979.
-محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلامية ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979
-حزام بن ماطر المطيري ،الإدارة الاسلامية المنهج والممارسة ،مكتبه الرشد ،الرياض ،2004.
-محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكريه الإسلامية ، الدار المصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976
-أحمد عبد ربه بصبوص ، فن القيادة في الإسلام ، مكتبة المنار،  الزرقاء الأردن ، 1989

No comments :

Post a Comment