Saturday, April 2, 2016

منهجية القيادة والإدارة في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه



منهجية القيادة والإدارة في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه :
إن التقصير الذي حصل بدراسة عهد عثمان بن عفان، التقصير في فهم عصره وأحواله وظروفه، والتقصير عن بيان ايجابياته، والتقصير عن دراسته دراسة علمية محكمة رصينة تشفي الغليل، ظاهرة بادية في كثير من النواح.
لقد ظُلِمَ الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه من نواح عدة: 
ظُلِمَ  من ناحية دراسة حياته ودراسة خلافته كثيرا من قبل المؤرخين ومن قبل الدارسين سواء المسلمين أو غيرهم ، وظُلِمَ في اتهامه بالكثير من الأمور التي لم تثبت صحتها، كما ظُلِمَ في إتهامه بعدم كفايته لإدارة البلاد، واتهم بانحرافه عن منهج أبي بكر وعمر بن الخطاب، وكل تلك الاتهامات باطلة لا أساس لها من الصحة، وقد ثبت بطلانها وتلاشت ظلامها أمام نور البينات الواضحات في نزاهة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وحسن إدارته للأمور وأهليته للخلافة.
إن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يَحِدْ عن نهج مَن سبقوه، ولم يقترف أخطاءاً كباراَ كالتي يصورها أعداء السنة وأعداء الصحابة وأعداء الإسلام.
عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه عهد ذهبي تجلت فيه رونق الخلافة وعلت فيه كلمة الاسلام واتسعت به رقعة الدولة الإسلامية، وكان الأثر الطيب من الرخاء وطيب العيش وفشو العدل وانتشار السلم وتثبيت أركان الدولة الإسلامية، وكان منارة الإزدهار التي تضيء لتشمل المواطنين.
نعم لقد اتسعت الدولة الاسلامية وشملت العديد من الأقطار والأمصار البعيدة ،وبقي كثير من الولاة الذين عينهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه على هذه البلاد فيها، وقد دفع اتساع رقعة الأراضي الاسلامية الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلى اقتطاعها ومنحها لهؤلاء الولاة مما زاد من رفاهيتهم وغناهم وزاد من ثرواتهم وأموالهم،فازداد المال في زمن  الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه ،وقد كان هذا الغنى سببا لغضب أهل هذه البلاد ونقمتهم على الولاة والعمال وبالتالي على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه مما كان له الأثر الأكبر على زعزعه الاستقرار السياسي والاجتماعي في الدولة الإسلامية.  
غيرَ أن إدارة الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه اتسمت بكثير من الإيجابيات وقلت فيها السلبيات، ذلك لأنه اتبع نظاما إداريا محكما ومفيدا للجميع، وفيما يلي بيان ذلك:
1- الشؤون المالية:
لما تولى عثمان بن عفان رضي الله عنه الخلافة لم يغير من سياسة عمر المالية، وإن كان قد سمح للمسلمين باقتناء الثروات وتشييد القصور وامتلاك المساحات الكبيرة من الأراضي، فقد كان عهده عهد رخاء على المسلمين.
كما أنه وجه كتاباً إلى الولاة وكتابا آخر إلى عمال الخراج، وأذاع كتاباً على العامة، وكانت عناصر السياسة المالية العامة التي أعلنها الخليفة قد قامت على الأسس العامة التالية:
- تطبيق سياسة مالية عامة إسلامية.
- عدم إخلال الجباية بالرعاية.
- أخذ ما على المسلمين بالحق لبيت مال المسلمين.
- إعطاء المسلمين ما لهم من بيت مال المسلمين.
- أخذ ما على أهل الذمة لبيت مال المسلمين بالحق، وإعطاؤهم ما لهم، وعدم ظلمهم.
- تخلق عمال الخراج بالأمانة والوفاء.
- تفادي أية انحرافات مالية يسفر عنها تكامل النعم لدى العامة.
فأنت تلاحظ إلى هذه السياسة المالية والإدارة المالية المحكمة التي تقوم على إقامة الحق وإحقاق العدل ونشر الإنصاف بين أفراد المجتمع، وعلى التخلق بالأخلاق الفاضلة والاتصاف بالصفات الحميدة التي من شأنها أن تراعي ظروف المجتمع وتحفظ أموال الشعب وتقوم على خدمتهم.
2- إدارة الولاة والويلات :
حينما تولى عثمان رضي الله عنه الخلافة في بداية سنة 24 هـ، أقر الولاة الذين قد تم تعيينهم من قِبل عمر بن الخطاب في ولاياتهم عاماً كاملاً، بعد ذلك أبقى البعض وعزل آخرين، وعمل على التعيين في هذه الأمصار حسب الحاجة وذلك بعد الأخذ بمشورة الصحابة.
في عهده قام بضم بعض الولايات إلى بعضها لما يراه في مصلحة المسلمين، فقد ضم  البحرين إلى البصرة، كما ضم بعض ولايات الشام إلى بعضها الآخر نتيجة لوفاة بعض الولاة أو طلب البعض منهم الإعفاء من العمل.
وقد كان دائم النصح لولاته بالعدل والرحمة بين الناس.
كما أنه حدد لهم معالم السياسة التي يجب أن يعملوا بها، من إعطاء الحقوق للمسلمين ومطالبتهم بما عليهم من واجبات وإعطاء أهل الذمة حقوقهم ومطالبتهم بما عليهم من واجبات، وبالوفاء حتى مع الأعداء، وأن لا يكون همهم جباية المال.
كان يكتب إلى عماله ببعض التعليمات في الأمور المستجدة التي تتعلق بإدارتهم للولايات، إضافة إلى كتبه للعامة والتي كان يصدر فيها تعليمات محددة يلتزم بها الجميع، ومن ذلك إلزامه الناس في الولايات بالمصاحف التي كتبت في المدينة على ملأ من الصحابة.
كان يشترط أحياناً بعض الشروط على الولاة ليضمن أن تصرفهم في صالح المسلمين.
فهذه الإدارة المليئة بإيجابيات كثيرة وحسنات عدة كان لها الفائدة على المجتمع الإسلامي وكان لها العوائد الحسنى على أفراد المجتمع آنذاك وامتدت لأغلب سنوات حكم الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
3- إدارة القضاء في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
 عندما تولى عثمان الخلافة كان على قضاء المدينة علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت، والسائب بن يزيد.
كان ينظر في الخصومات بنفسه، ويستشير هؤلاء وغيرهم من الصحابة فيما يحكم به، فإن وافق رأيهم رأيَه أمضاه، وإن لم يوافق رأيهم رأيه نظر في الأمر بعد ذلك.
و تحمل عنهم النظر في كثير من القضايا الكبيرة مع استشارتهم فيها.
تذكر بعض الكتب أن من مآثر ذي النورين اتخاذه داراً للقضاء، وقد جاء ذلك في رواية رواها ابن عساكر عن أبي صالح مولى العباس قال: أرسلني العباس إلى عثمان أدعوه فأتيته في دار القضاء إلى آخر الحديث،فيكون عثمان هو أول من اتخذ دارا للقضاء في الإسلام، لأن من سبقه كان يتخذ المسجد كمكان للقضاء.
وأشهر القضاة في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه:زيد بن ثابت في المدينة المنورة.أبو الدرداء الأنصاري في دمشق. كعب بن سور الأزدي في البصرة.أبو موسى الأشعري في البصرة، (بالإضافة إلى ولايته).شريح القاضي في الكوفة.يعلى بن أمية في اليمن.ثمامة في صنعاء.عثمان بن قيس بن أبي العاص في مصر.
4- توزع المعسكرات في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه:
كانت المعسكرات في عهد عثمان تتوزع في عواصم الأقطار الكبرى، فمعسكر العراق مركزه الكوفة والبصرة، ومعسكر الشام في دمشق، ومعسكر مصر مركزه الفسطاط، وكانت هذه المعسكرات تقوم بحماية الدولة الإسلامية كما تعمل على مواصلة الفتوحات، ونشر الإسلام.
5- ردع التمرد :
عندما خرجت الإسكندرية من سيطرة الروم، عملوا على تحريض من بالإسكندرية من الروم على التمرد والخروج على سلطان المسلمين،وصادف هذا التحريض رغبة عند سكانها فاستجابوا للدعوة، وكتبوا إلى قسطنطين بن هرقل يخبرونه بقلة عدد المسلمين ويصفون له ما يعيش فيه الروم بالإسكندرية من الذل والهوان.
وكان عثمان قد عزل عمرو بن العاص عن مصر، وولى مكانه عبد الله بن سعد بن أبي السرح، وفي أثناء ذلك وصل منويل الخصي قائد قوات الروم إلى الإسكندرية، ومعه قوات يحملهم في ثلاثمائة مركب مشحونة بالسلاح والعتاد. علم أهل مصر بأن قوات الروم قد وصلت إلى الإسكندرية، فكتبوا إلى عثمان يطلبون إعادة عمرو بن العاص ليواجههم، فاستجاب الخليفة لطلب المصريين، وأبقى ابن العاص أميراً على مصر،ونهب منويل وجيشه الإسكندرية، ومن ثم خرج منويل بجيشه من الإسكندرية يقصد مصر السفلى دون أن يخرج إليهم عمرو أو يقاومهم أحد، وتخوف بعض أصحابه، أما عمرو فقد رأى أن يتركهم يقصدونه، وحدد عمرو سياسته هذه بقوله: «دعهم يسيروا إليَّ، فإنهم يصيبون من مروا به، فيخزي بعضهم ببعض». وأمعن الروم في إفسادهم ونهبهم وسلبهم، وضج المصريون من فعالهم، وأخذوا يتطلعون إلى من يخلصهم منهم.
وصل منويل إلى نقيوس، واستعد عمرو للقائه، تقابل الجيشان عند حصن نقيوس على شاطئ نهر النيل، في أثناء المعركة أصاب فرسه سهم فقتله، فترجل عمرو وانضم إلى صفوف المشاة، ورآه المسلمون فأقبلوا على الحرب. وخرج المصريون بعد أن رأوا هزيمة الروم يصلحون للمسلمين ما أفسده العدو الهارب من الطرق، ويقيمون لهم ما دمره من الجسور، وأظهر المصريون فرحتهم بانتصار المسلمين على العدو الذي انتهك حرماتهم واعتدى على أموالهم وممتلكاتهم، وقدموا للمسلمين ما ينقصهم من السلاح والمؤونة.
لما وصل عمرو الإسكندرية ضرب عليهم الحصار ونصب عليها المجانيق فضرب أسوارها حتى سيطروا عليها، ودخل المسلمون الإسكندرية، وكان منويل في عداد القتلى. ولما فرغ المسلمون أمر عمرو ببناء مسجد في المكان الذي أوقف فيه القتال وسماه مسجد الرحمة.
وشكر المصريون عمرو على تخليصهم من ظلم الروم، وطالبوه بإعادة ما نهب من أموالهم ودوابهم من قبل الروم، معلنين ولاءهم وطاعتهم، فقالوا: «إن الروم قد أخذوا دوابنا وأموالنا ولم نخالف نحن عليكم وكنا على الطاعة»، فطلب منهم عمرو أن يقيموا البينة على ما ادعوا، ومن أقام بينة وعرف من له بعينه رده عليه.
6- الجهاد البحري وبناء الأساطيل وفتح جزيرة قبرص:
تعود فكرة الجهاد البحري إلى عهد عمر بن الخطاب حين ألحّ معاوية بن أبي سفيان على عمر في غزو البحر، ولم يقبل بذلك.
ولكن معاوية طرح الأمر ثانية بعد تولي عثمان الخلافة، فرد عليه عثمان قائلا: «إني قد شهدت ما رد عليك عمر حين استأذنته في غزو البحر»، ثم كتب إليه معاوية مرة أخرى يهون عليه ركوب البحر إلى قبرص فكتب إليه: «فإن ركبت معك امرأتك فاركبه مأذونا وإلا فلا».
واشترط عليه الخليفة عثمان بقوله: «لا تنتخب الناس ولا تقرع بينهم، خيرهم فمن اختار الغزو طائعا فاحمله وأعنه».
فلما قرأ معاوية ذلك، كتب لأهل السواحل يأمرهم بإصلاح المراكب وتقريبها إلى ساحل حصن عكا، حيث رممه ليكون ركوب المسلمين منه إلى قبرص.
بعد نهاية شتاء سنة 28 هـ الموافق 649 م، أعد معاوية المراكب اللازمة لحمل الجيش، واتخذ ميناء عكا مكاناً للإنطلاق، وكانت المراكب كثيرة وحمل معه زوجته فاختة بنت قرظة، كذلك حمل عبادة بن الصامت امرأته أم حرام بنت ملحان معه في تلك الغزوة. ورغم أن معاوية لم يجبر الناس على الخروج، فقد خرج معه جيش كبير. وسار المسلمون من الشام وركبوا من ميناء عكا متوجهين إلى قبرص، ونزلوا إلى الساحل، تقدمت أم حرام لتركب دابتها، فنفرت الدابة وألقت أم حرام على الأرض فاندقت عنقها فماتت ودفنت هناك، وعرف قبرها بقبر المرأة الصالحة. واجتمع معاوية بأصحابه وكان فيهم أبو أيوب الأنصاري، وأبو الدرداء، وأبو ذر الغفاري، وعبادة بن الصامت، وواثلة بن الأسقع، وعبد الله بن بشر المازني، وشداد بن أوس بن ثابت، والمقداد بن الأسود، وكعب الحبر بن ماتع، وجبير بن نفير الحضرمي، وتشاوروا فيما بينهم وأرسلوا إلى أهل قبرص يخبرونهم أنهم لم يغزوهم للاستيلاء على جزيرتهم، ولكن أرادوا دعوتهم للإسلام ثم تأمين حدود الدولة الإسلامية بالشام؛ وذلك لأن البيزنطيين كانوا يتخذون من قبرص محطة يستريحون فيها إذا غزوا ويتموَّنون منها إذا قل زادهم، فكانت بلداً مهمة لإخضاعها تحت سيطرة المسلمين، ولكن سكان الجزيرة لم يستسلموا، بل تحصنوا في العاصمة ولم يخرجوا لمواجهة المسلمين.
تقدم المسلمون إلى قسطنطينا عاصمة قبرص وحاصروها، وما هي إلا ساعات حتى طلب الناس الصلح، وأجابهم المسلمون لذلك، وقدموا شروطًا للمسلمين، كما اشترط عليهم المسلمون شروطاً. أما شرط أهل قبرص كانت في طلبهم ألا يشترط عليهم المسلمون شروطا تورطهم مع الروم؛ لأنه ليست لهم قدرة بهم، وأما شروط المسلمين فكانت، ألا يدافع المسلمون عن الجزيرة إذا هاجم سكانها محاربون، وأن يدلوا المسلمين على تحركات عدوهم من الروم، وأن يدفعوا للمسلمين سبعة آلاف ومائتي دينار في كل عام، وألا يساعدوا الروم إذا حاولوا غزو بلاد المسلمين، وألا يطلعوهم على أسرارهم.
7- جمع القرآن على مصحف واحد بطريقة تجمع وجوه القراءات المختلفة والأحرف التي نزل عليها القرآن:
من أهم أعماله الفقهية والاجتهادية كتابة المصحف وجمع القرآن، عن مصعب بن سعد قال: قام عثمان فخطب الناس فقال: أيها الناس عهدكم بنبيكم منذ ثلاث عشرة، وأنتم تمترون في القرآن، وتقولون قراءة أُبَيّ وقراءة عبد الله، يقول الرجل: والله ما تقيم قراءتك. فأعزم على كل رجل منكم ما كان معه من كتاب الله شيء لما جاء به، وكان الرجل يجيء بالورقة والأديم فيه القرآن، حتى جمع من ذلك كثرة، ثم دخل عثمان فدعاهم رجلاً رجلاً، فناشدهم لسمعت رسول الله صلى الله علية وسلم وهو أملاه عليك؟ فيقول: نعم، فلما فرغ من ذلك عثمان قال: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله علية وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعرب؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال عثمان: فليمل سعيد وليكتب زيد. فكتب زيد، وكتب مصاحف ففرقها في الناس.
فبعث واحدًا إلى مكة، وآخر إلى الشام، وآخر إلى اليمن، وآخر إلى البحرين، وآخر إلى البصرة، وآخر إلى الكوفة، وحبس بالمدينة واحدًا.
وسبب ذلك أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم. ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان المصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
ولا يخفى على أحد أهمية هذا الفعل الذي فعله عثمان رضي الله عنه من جمعه للناس على مصحف واحد، فَوَقَى المسلمين رضي الله عنه شر فتنة الاختلاف، ولقد لاقى هذا الفعل تشجيعا واستحسانا من جموع الصحابة رضوان الله عليهم بل قد رأينا أن منهم من أشار على عثمان رضي الله عنه بهذا الأمر، يقول علي رضي الله عنه: "رحم الله عثمان، لقد صنع في المصاحف شيئًا، لو وليت الذي ولي قبل أن يفعل في المصاحف ما فعل لفعلت كما فعل".
ويقول مصعب بن سعد رحمه الله: أدركت أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم متوافرين حين شفق عثمان رضي الله عنه المصاحف فأعجبهم ذلك، وما رأيت أحدًا منهم عاب ما صنع، وسمعت رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم يقولون: لقد أحسن.
ورحم الله ابن المهدي إذ يقول: خصلتان لعثمان بن عفان ليستا لأبي بكر وعمر: صبره على نفسه حتى قتل مظلومًا، وجمعه الناس على المصحف.
من أكبر نتائج جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:
- القضاء على الفرقة والخلاف بين المسلمين في وجوه قراءة القرآن الكريم.
- اتحاد الأمة على مصحف واحد، بصورة نهائية يوثق فيه ويعتمد عليه.
- تعرف كثير من الصحابة -لأول مرة- على وجوه وآيات متعددة منسوخة التلاوة.
- تعرف كثير منهم على وجوه ثابتة من الأحرف السبعة لقراءة القرآن الكريم.
- توزيع المصاحف المجمع عليها رسميًا من قبل أمير المؤمنين وخليفة المسلمين.
- اعتماد الأمة هذه المصاحف والتمسك بالقراءة بما يوافق رسمها وكتابتها.
- الخلاص من الصحف والمصاحف التي لم تكن لها صفة رسمية وجماعية.
الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان رضوان الله عليهما:
قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وبين جمع عثمان أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حَمَلَتُه؛ لأنه لم يكن مجموعًا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبًا لآياته وسوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله علية وسلم، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوا بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من تفاقم الأمر في ذلك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش، محتجًا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعًا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر، فرأى أن الحاجة إلى ذلك انتهت،
فاقتصر على لغة واحدة، وكانت لغة قريش أرجح اللغات، فاقتصر عليها.
8- اتصاله مع ولاته وجنده وعماله وعامته :
تعددت وسائل الاتصال بين الخليفة عثمان بن عفان رضيي الله عنه وبين شعبه ومواطنيه.
فمن خطبه أثناء صلاة الجمعة، ومن فتحه لبابه أمام الجميع، ومن إنشائه لدار القضاء، ومن إرساله لكتبه ومراسلاته معهم، ومن ذلك:
* أول كتاب كتبه عثمان إلى جميع ولاته: "أما بعد، فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم أن يكونوا جباة، وإن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، ولم يخلقوا جباة، وليوشكن أن يصيروا جباة، ولا يكونوا رعاة، فإذا عادوا كذلك انقطع الحياء والأمانة والوفاء، ألا وإن أعدل السيرة أن تنظروا في أمور المسلمين فيما عليهم فتعطوهم ما لهم، وتأخذوهم بما عليهم، ثم تثنوا بالذمة، فتعطوهم الذي لهم وتأخذوهم بالذي عليهم، ثم العدو الذي تنتابون فاستفتحوا عليهم بالوفاء".
* وكان أول كتاب كتبه إلى قادة الجنود: "أما بعد، فإنكم حماة المسلمين، وقد وضع لكم عمر ما لم يغب عنا، بل كان على ملأ منا، ولا يبلغني عن أحد منكم تغيير ولا تبديل فيغير الله بكم ويستبدلكم غيركم، فانظروا كيف تكونون، فإني أنظر فيما ألزمني الله النظر فيه والقيام عليه".
*  وكان أول كتاب كتبه إلى عمال الخراج: "أما بعد، فإن الله خلق بالحق فلا يقبل إلا بالحق، خذوا الحق وأعطوا الحق به، والأمانة قوموا عليها ولا تكونوا أول من يسلبها، فتكونوا شركاء من بعدكم إلى ما اكتسبتم، والوفاء الوفاء لا تظلموا اليتيم ولا المعاهد؛ فإن الله خَصْمٌ لمن ظلمهم".
*  وكتاب إلى العامَّة: "أما بعد، فإنكم إنما بلغتم بالاقتداء والاتباع، فلا تلفتنكم الدنيا عن أمركم، فإن أمر هذه صائر إلى الابتداع بعد اجتماع ثلاث فيكم: تكامل النعم، وبلوغ أولادكم من السبايا، وقراءة الأعراب والأعاجم القرآن، فإن رسول الله صلى الله علية وسلم قال: الْكُفْرُ فِي الْعُجْمَةِ، فَإِذَا اسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمِ أَمْرٌ تَكَلَّفُوا وَابْتَدَعُوا".
وهذه النماذج من كتبه لا تورد في هذا المقام من ناحية البلاغة والبيان مستقلة عن مواضعها ودواعيها، ولكنها تورد قبل كل شيء لأنها مع ما تبديه من بيانه تبدي لنا أسلوب الخليفة الثالث في علاقته برعاياه من خلال أسلوب الكتابة والخطابة.
9- اهتمامه بأحوال شعبه ومواطنيه في أحواله وحالاته:
من حسن الإدارة أن يهتم المدير والأمير بأمور من هم تحت رعايته وعمله، وهذا كان فعل عثمان بن عفان رضي الله عنه.
قال موسى بن طلحه : رأيت عثمان يخرج يوم الجمعة وعليه ثوبان أصفران فيجلس على المنبر فيؤذن المؤذن وهو يتحدث فيسأل الناس عن أسعارهم ومرضاهم .
وكان عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين يأخذ وضوءا لنفسه إذا قام من الليل فقيل له لو أمرت الخادم كفاك، قال: لا الليل لهم يستريحون فيه.
وروى هلال المدينه عن جدته أنها كانت تدخل على عثمان بن عفان ففقدها يوما ، فقال لأهله : ما لي لا أرى فلانة ؟ فقالت امرأته :يا أمير المؤمنين ولدت اليوم غلاما ، قالت : فأرسل إلىّ بخمسين درهم وشقيقه سنبلانيه ، ثم قال : هذا عطاء ابنك وهذه كسوته ، فإذا مرت عليه سنه رفعناه إلى مائه.
وكان عثمان يحرص على الحج بنفسه ويلتقي بالحجاج ويسمع شاكياتهم وتظلمهم من ولا تهم، كما أنه طلب من العمال أن يوافوه في كل موسم وكتب إلى الأمصار أن يوافيه العمال في كل موسم ومن يشكوهم.
10- إنشاؤه لميناء الشعيبه (جدة حاليا):
في سنة 26 هجريه كلم أهل مكة عثمان من الشعيبه وهى ساحل مكة قديما في الجاهلية إلى ساحلها اليوم وهو جده لقربها من مكة ، فخرج عثمان إلى جده ورأى موضعها وأمر بتحويل الساحل إليها ودخل البحر واغتسل فيه وقال : إنه مبارك ، وقال لمن معه : ادخلوا البحر للاغتسال ، ولا يدخل أحد إلا بمئزر ثم خرج من جده عن طريق عسفان إلى المدينه ، وترك الناس ساحل الشعيبه في ذلك الزمان واستمرت جده بندرا إلى الآن بمكة المشرفة.
11- إقامة عثمان بن عفان العدل حتى على أقاربه، ومن ذلك يقيم الحد على أخيه لأمه:
عن عروه بن الزبير أن عبيد الله بن عدى بن الخيار أخبره أن المسور بن مخرمه وعبد الله بن الأسود بن يغوث قالا له : ما يمنعك أن تكلم خالك يكلم أمير المؤمنين عثمان في الوليد بن عقبه وقد أكثر الناس فيما فعل؟ قال عبيد الله: فاعترضت أمير المؤمنين عثمان حين خرج من الصلاة فقلت له: إن لي إليك حاجه هي نصيحة قال: قل. قال: يا أيها المرء إني أعوذ بالله منك. قال: فانصرفت فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وابن عبد يغوث فحدثتهما بالذي قلت لأمير المؤمنين وقال لي ، فقالا: قد ابتلاك الله فانطلقت حتى دخلت على عثمان فقال : ما نصيحتك الذي ذكرت لي آنقا ؟ قال : فتشهدت ثم قلت له : إن الله عز وجل بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب.، فكنت ممن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ورأيت هديه وقد أكثر الناس في شأن الوليد، فحق عليك أن تقيم عليه الحد، قال: فقال لي ابن أختي، أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، قال : فقلت لا ولكن خلص إلىّ من علمه واليقين ما يخلص للعذراء في سترها ، قال : فتشهد ثم قال : أما بعد فإن الله قد بعث محمدا بالحق فكنت ممن استجاب لله ورسوله وآمن بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم ثم هاجرت الهجرتين كما قلت ، ونلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف بعده أبو بكر فبايعناه فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ثم استخلف عمر فو الله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله ، ثم استخلفني الله فليس لي عليكم مثل الذي كان لهم علىّ؟ قال: فقلت بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم ؟ فأما ما ذكرت من شأن الوليد فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق، فجلد الوليد أربعين سوطا وأمر عليا بجلده فكان هو يجلده.
12- استشارة الخليفة عثمان بن عفان لأصحابه فيما يُعرَض عليه:
عن عبد الرحمن بن سعيد اليربوعي قال : رأيت عثمان بن عفان في المسجد إذ جاء الخصمان قال لهذا اذهب فادع عليا ، وللآخر فادع لي طلحه بن عبيد الله ، والزبير وعبد الرحمن ، فجاءوا فجلسوا فقال لهما : تكلما ثم يقبل عليهم فيقول : أشيروا علىّ ، فإن قالوا ما يوافق رأيه لأمضاه عليهما وإلا نظر فيقومان مسلمين.
المصادر والمراجع:
-قاسم عاشور،كتاب فرائد الكلام للخلفاء الكرام.
-علي الصلابي، كتاب تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان،الطبعة الاولى.
-محمد رضا الأديب،كتاب عثمان بن عفان، الفصل الأول ،حياة عثمان.
- محمد رشيد رضا،ذو النورين عثمان بن عفان.
- إبراهيم عبد الفتاح المتناوي ،دماء على قميص عثمان بن عفان.
- محمد الصادق عرجون،عثمان بن عفان.
- حسن أيوب،الخلفاء الراشدون.
- قطب ابراهيم ،السياسة المالية لعثمان بن عفان.
-الخلافة والخلفاء الراشدون للبهنساوي
-رفيق بن محمود بن خليل العظم،أشهر مشاهير الإسلام في الحرب والسياسة
- أحمد الخروف ،شهيد الدار عثمان بن عفان.
- سعاد إبراهيم صالح، مبادئ الاقتصاد الإسلامي.
- محمد أحمد باشميل، حروب الإسلام في الشام في عهود الخلفاء الراشدين.
- د. سليمان بن صالح، الإدارة العسكرية في الدولة الإسلامية.
- د. محمد السيد الوكيل، جولة تاريخية في عصر الخلفاء الراشدين

1 comment :