Monday, December 17, 2018

تفسير القرآن الكريم والسلف الصالح

تفسير القرآن الكريم والسلف الصالح:
الأصل أن لا يفسر القرآن الكريم إلا من تأهل للتفسير وتوفرت فيه الشروط التي لابد منها للمفسر قال تعالى:{ولا تقف ما ليس لك به علم{ (الإسراء، آية36) ووردت أحاديث تحذر من تفسير القرآن بغير علم قال: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار"([1] وقال: "من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ"([2]).
      قال ابن عطية في تفسيره: "وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب وعامر الشعبي وغيرهما يعظمون تفسير القرآن ويتوقفون عنه تورعاً واحتياطاً لأنفسهم مع إدراكهم وتقدمهم".
      وكان جلة من السلف كثير عددهم يفسرونه وهم أبقوا([3]) على المسلمين في ذلك رضي الله عنهم([4]).
      وقال تقي الدين ابن تيميه: "فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام"([5]).
      وبعد أن أورد الأحاديث السابقة قال: ولهذا تحرج جماعة من السلف عن تفسير ما لا علم لهم به كما روى شعبة عن سليمان عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال:  قال أبو بكر الصديق: "أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم"([6]).
      وروى أيضاً أن عمر قرأ على المنبر: (وفاكهة وأبا) فقال: أي سماء تظلني وأي أرض تقلني، هذه الفاكهة عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر([7]).
      وروى ابن جرير بسنده أن ابن عباس: سئل عن آية لو سئل عنها بعضكم لقال فيها فأبى أن يقول فيها، وسأل رجل ابن عباس عن يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، فقال له ابن عباس: فما يوم كان مقداره خمسين ألف سنة؟ فقال الرجل إنما سألتك لتحدثني فقال: ابن عباس: هما يومان ذكرهما الله في كتابه، الله أعلم بهما فكره أن يقول في كتاب الله ما لا يعلم.
      وكانوا إذا  سألوا سعيد بن المسيب عن الحلال والحرام كان أعلم الناس، فإذا سألوه عن تفسير آية من القرآن سكت كأن لم يسمع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
      فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه ولهذا روى عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير ولا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: }لتبيننه للناس ولا تكتمونه{(آل عمران،187) 
ولما جاء فيالحديث من طرق: "من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار"([8])
لقد كان لهذه الآثار التي مرت بنا والتي تخوف من القول على الله بغير علم آثار شديدة على بعض الناس، فخافوا من الخوض في التفسير مطلقاً.


([1]) رواه الترمذي في كتاب التفسير
([2]) رواه الترمذي وأبوداود
([3]) من قولهم أبقيت على فلان أشفقت عليه ورحمته
([4]) تفسير ابن عطية ج1 ص18 
([5]) الفتاوى، ج13 ص370 مكتبة العارف زنقه باب شالة الغرب
([6]) مجموع الفتاوى، ج13 ص371 
([7]) قال الزركشي  في البرهان، معلقاً على هذين الأثرين : وما ذاك بجهل منهما لمعنى الأب وإنما يحتمل والله أعلم أن الأب من الألفاظ المشتركة فخشيا إن فسراه بمعنى من معانيه أن يكون المراد غيره، ولهذا اختلف المفسرون في معنى الأب على سبعة أقوال:
     أولاً: فقيل ما ترعاه البهائم وأما ما يأكله الآدمي فالحصيد
     الثاني: التبن خاصة
     الثالث: كل ما ينبت على وجه الأرض
     الرابع: ما سوى الفاكهة
     الخامس: الثمار الرطبة قال: وفيه بعد
     السادس: أن رطب الثمار هو الفاكهة ويابسها هو الأب
     السابع: أنه للأنعام كالفواكه للإنسان
     ثم قال الزركشى: ويحتمل قول عمر غير ما سبق وجهين أحدهما: أن يكون خفي عليه معناه وإن شهر كما خفي على ابن عباس معنى (فاطر السموات)
     الثاني: تخويف غيره من التعرض للتفسير بما لا يعلم كما كان يقول: أقلوا الرواية عن رسول اللهe وأنا شريككم يريد الاحتراز فإن من احترز قلت روايته
     انظر البرهان ج1 ص37 ط دار الكتب العلمية1408هـ بيروت تقديم وتعليق مصطفى عبد القادر عطا
([8]) مجموع الفتاوى ج13 ص375 والحديث رواه الإمام أحمد ج2 ص262 من المسند ورواه أبو داوود والترمذي وابن ماجه

No comments :

Post a Comment