Monday, December 28, 2015

أخلاقيات الحرب والقتال في الإسلام ج1



أخلاقيات الحرب والقتال في الإسلام ج1 :

  الحرب في الإسلام هي حرب أخلاقية وليست حربا انتقامية، وذلك لأن القصد منها هو هداية الناس وإخراجهم من الظلمات إلى نور الإسلام وعدله وسماحته ،ولأنها امتازت بأخلاقيات مثالية وحضارية اقتدت بها الأمم المتمدنة واتخذتها كقوانين إنسانية تطبقها أثناء الحروب والقتال ،ومن أبرز مثاليات وأخلاقيات الحرب العادلة في الإسلام ما يلي:

1.احترام العهد:
إنها شيمة من شيم الإسلام العظيم وصفة من صفات نبيه الكريم  ،حتى أنه قبل الإسلام كان يسميه قومه "الصادق الأمين"، بل كان صادقا حتى في المزاح والمداعبة ، فقد اخرج الترمذي عن أبي هريرة أنه قال : قالوا يا رسول الله إنك تداعبنا ، قال :" إني لا أقول إلا حقا " ، حيث كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يحترم العهد الذي يقطعه على نفسه ولا يحنث به ولا ينكثه.

 بل كان يحث أصحابه إذا عاهدوا أن يحترموا العهد ولا ينقضوه مهما كانت الظروف والأحوال ، وان موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر خير دليل على ذلك ، رغم أن اليهود  نكثوا العهود مع المسلمين  وحرضوا القبائل على قتالهم ، الا انه منع أصحابه أن يعتدوا على بيوتهم أو ثمارهم أو الاعتداء على نسائهم ، ومنعهم من دخول بيوت اليهود إلا بإذنه.  

وان موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم من الرجل الذي استجار بأم هانئ ، خير شاهد على ذلك حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأم هانئ عندما أجارت رجلا من المشركين :" قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ" .
 
لان القاعدة في الإسلام هي حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم:" المؤمنون تتكافأ دمائهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم " رواه الحاكم وابن ماجه والدارقطني. 

 وهنا اعتبار ذمة أي مسلم  مهما كان، هي ذمة لكل المسلمين ، وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: " ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها".

 وهنا دعوة نبوية لاحترام المعاهدين وعدم التعرض لهم،مستجيبا بذلك لقوله تعالى:" و‘ن أحد من المشركين استجارك فاأره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه " التوبه 6.

ومن صور احترام العهد والوفاء بالوعد عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم  إذ كان يقسم غنائم هوازن بحنين فوقف رجل من الناس فقال : إن لي عندك موعدا يا رسول الله ، قال :" صدقت فاحتكم ما شئت ، قال :أحتكم ثمانين ضائنه وراعيها ، قال :" هي لك وقال :" احتكمت يسيرا " .

ومن الصور الأخرى ما رواه البخاري أن هرقل لما سأل أبو سفيان عن محمد هل يغدر ، فأجاب أبو سفيان : لا ، فقال هرقل بعد ذلك ، وسألتك هل يغدر فزعمت انه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر ".

ويقول عروة بن مسعود الثقفي يصف حال النبي وأصحابه :"إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه ، واني والله ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه " .

وان قصه أبي سفيان عندما جاء مع العباس عم النبي عليه الصلاة والسلام ليقابل الرسول فآه عمر بن الخطاب ، فذهب إلى خيمة الرسول،فلما وصل قال:" يا رسول الله دعني أضرب عنقه " قال العباس " يا رسول الله إني قد أجرته " فلما أكثر عمر قال العباس:" مهلا يا عمر ما تصنع هذا إلا أنه من بني عبد مناف ، ولو كان من بني عدي ما قلت هذه المقالة " فقال عمر :" مهلا يا عباس فوالله إسلامك يوم أسلمت كان أحب إليَّ من إسلام الخطاب لو أسلم " 
 إنها قصه تدل على احترام الصحابة لعهودهم ووفائهم بها وبرهم بمن عاهدوا .

وقد ثبت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم انه قال :" ذمه المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم ".

ومن صور الوفاء بالعهد واحترام الميثاق أيضا حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه :" من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمده أو ينبذ إليهم على سواء" .

وقال:" من أَمَّنَ رجلا على نفسه فقتله فأنا بريء من القاتل ".
  إن نماذج صدق النبي واحترام للعهد كثيرة  تكاد لا تعد ولا تحصى فهو لم يخلف عهدا ولم  يحنث بوعد ، بل اعتبر إخلاف الوعد من صفات المنافقين ،وقد علم النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه على هذه الصفة الطيبة وساروا مِن بعده على ذات النهج ونفس الخط .

 وهنا نورد شهادة من شخص غير مسلم تدل على احترام العهد والميثاق من قبل المسلمين ، حيث يقول (فريمان ) في كتابه تاريخ العرب :" ...وكان هؤلاء الرجال _المسلمين_ مع شراستهم في القتال شديدي الدماثة بعد النصر ، فقد حفظوا عهودهم تمام الحفظ ولم نسمع عن مجازر لا تمييز فيها قد ارتكبوها .. ) .

2.الوفاء بالوعد:
ان صور الوفاء بالوعد عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة ومتعددة فهو لم يخلف وعدا قطعه على نفسه لأحد من الناس حتى ولو كان مشركا.
 ومن ابلغ صور الوفاء بالوعد عند النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، أنه عندما عقد الهدنة مع قريش كانت شروط  الهدنة فيها الغبن والظلم الواضح للعيان حيث كان من شروطها ان يسلم النبي محمد صلى الله عليه وسلم من يلجأ إليه من المسلمين بغير إذن وليه، وأن لا يطالب بتسليم من يلجأ إلى قريش من أتباعه ، حيث أثار هذا الشرط أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأغضبهم وخاصة عمر بن الخطاب الذي اعتبرة شرطا مهينا ، وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول لعمر :" أنا عبد الله  ورسوله لن أخالف أمره ولن يضعني "، ويقول أبو بكر: أشهد أنه رسول الله.  

ومن صور وفاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالوعد ما أخرجه ابو داوود عن  عبد الله بن أبي الخنساء قال :" بايعت النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ان يبعث وبقيت له بقيه ، فواعدته ان آتيه بها في مكانه ذلك ، فنسيت يومي والغد فأتيته اليوم الثالث وهو في مكانه ، فقال: يا فتى" لقد شققت علي ، أنا هاهنا منذ ثلاث أنتظرك".

 واخرج الحاكم عن حويطب بن عبد العزى في قضية إسلامه وكيف أنه عندما كان مشركا تولى مطالبة الرسول بالجلاء عن مكة في عمرة القضاء بعد انقضاء مدة ثلاثة أيام المتفق عليها فيقول حويطب :" ولما قدم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى عمرة القضاء وخرجت  قريش من مكة كنت فيمن تخلف بمكة أنا وسهيل بن عمرو لأن نخرج رسول الله اذا مضى الوقت فلما انقضت الثلاثة أقبلت أنا وسهيل بن عمرو فقلنا : قد مضى شرطك فاخرج من بلدنا فصاح يا بلال لا تغيب الشمس وواحد من المسلمين في مكة ممن قدم معنا ".


ويكفينا قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:" أربع من كن فيه كان منافقا خالصا : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد اخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " صحيح البخاري.

3.معامله الأسرى :
ان أخلاقيات الحرب في الإسلام عديدة ومتنوعة ومثالية ، ولا أدل على ذلك من أن الأمم المتمدنة قد ضمنتها نصوص القانون الدولي الإنساني ، وهذا يدل على الإسلام قد جاء بالمبادئ والقيم الانسانيه النبيلة قبل مئات السنين من اكتشاف الأمم المتمدنة .

 والحرب في الإسلام حرب اخلاقيه حضارية مثاليه لأنها تطبق كل المثل الانسانيه الرفيعة وتبتعد عن الفتك والدمار والتلذذ بجريان الدماء كما هي حال كثير من الحضارات التي قامت ومازالت تقوم على مجاري الدماء وبين أنقاض بيوت الآمنين. 

 قال الله الخبير مادحا النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام:"ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا " ،إنهم فعلا يستحقون هذا المدح الإلهي ، فها هو  قائدهم وزعيمهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه بعد أن جاؤا بثمامة بن أثال بعد أن وقع أسيرا في أيدي المسلمين،:"أحسنوا أساره "وقال لهم :" اجمعوا ما عندكم من طعام فابعثوا  به اليه "بل انهم كانوا يقدمون له لبن ناقة الرسول الأكرم عليه  الصلاة والسلام،وبعد ان رأى هذا الأسير هذه الأخلاقيات العظيمة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحبه دخل في الإسلام .

وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه في أسرى بدر :" استوصوا بهم خيرا".

وسياسة الإسلام في التعامل مع الأسرى كانت مثالية لدرجة أنه جعل فداء الواحد منهم ليس مالا ولا إكراها على إتباع الدين ولا الأشغال الشاقة ، بل إنه جعل فدائهم تعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة ، هل هناك أعظم من القيام بمهمة التعليم والتدريس ، وهذا بحد ذاته إكرام للأسرى عز نظيره حتى في القوانين الانسانية المعاصرة . 

ان موقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة موقف تاريخي عظيم يشهد على أن حرب النبي محمد صلى الله عليه وسلم هي حرب مثالية أخلاقية ، فهو لم يكن متعطشا لدماء ولا هاويا للحرب بل ان هدفه هو دخول الناس في دين الله أفواجا عن رغبه ومحبه .

فقد وقف عليه الصلاة والسلام مخاطبا قريش وقال لهم :" يا معشر قريش ما تظنون اني فاعل بكم ؟ ، فقالوا : خيرا،اخ كريم وابن اخ كريم ، فقال :" اذهبوا فانتم الطلقاء ".

 ألم يكن قادرا على أبادتهم وقتلهم وسفك دمائهم وتخريب ديارهم وتشريدهم انتقاما منهم لما فعلوه به من تشريد وإذلال وأهانه ؟ بلى ، ولكن أخلاقه العظيمة التي حباه به ربه تأبى عليه ذلك،قال تعالى :" انك لعلى خلق عظيم " .

 هذه هي المبادئ التي تنادت بها البشرية كدستور إنساني تحتكم إليه في النزاعات والحروب قد سبقها اليه محمد عليه الصلاة والسلام بمئات السنين .

4.احترام الجرحى والمرضى والعزل  :
من الآداب العظيمة للحرب في الإسلام هي عنايته بالجرحى والمرضى واحترامه لهم وخاصة الناس المسالمين والذين لاعلاقه لهم بالقتال.
فقد نهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أصحابه وأوصاهم بان لا يتعرضوا للنساء والأطفال والشيوخ الكبار في السن وكل من اعتزل القتال .
فها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوصي جنده فيقول لهم :" انطلقوا باسم الله تعالى وعلى بركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا امرأة ولا تغلوا (أي تخونوا ) وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " وقال لخالد بن الوليد :" لا تقتل ذريه ولا عسيفا (أي أجيرا )".

 ونهى كذلك عن تعذيب الجرحى بل انه أمر أن يداوى ومن ثم يفدى ، وقال في ذلك :" لا تعذبوا عباد الله ".

وكان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يغضب عندما يقوم أحد من أصحابه بقتل الضعفاء.
بل إنه كان يظهر الشفقة والعطف على أعدائه إذا رأى فيهم الضعف عن قتاله كما حصل في الحديبية.

إن هذة النصوص الكريمة أصبحت فيما بعد لأهميتها وحضاريتها نصوصا ومواداً من مواد القانون الدولي الإنساني حيث أوجب القانون الدولي الإنساني الاعتناء بالمرضى والجرحى وقرر حيادية المستشفيات ومنع الاعتداء على الأطباء والممرضين وكل ما يتعلق في إسعاف ونقل المرضى والجرحى من ممرضين وكوادر طبية .

5.دفن القتلى ومنع التمثيل بهم :
نهى النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن التمثيل بالقتلى في الحرب حيث كانت من عادة المنتصر في الحرب ان يمثل بالقتلى ويشوه الجثث ويسيء إلى إنسانيتها.

ولكن الإسلام والذي هو دين حقوق الإنسان التزم جنده بأمر الله عز وجل :"ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ".
 وذلك لأن الحرب في الإسلام ليست للتشفي والانتقام وليست حرب غل وحقد بل هي حرب دعوة وهداية القصد منها إخراج الناس من الظلمات الى النور وإرشادهم لما فيه خيرهم وصلاحهم

قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم موصيا وموجها أصحابه :"إياكم والمثله" وهو تشويه القتلى والموتى من الاعداء.

 بل إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أمر بدفن جثثهم واحترامها من أن تكون طعاما للوحوش الكاسرة والطيور الجارحة .

ففي غزوة بدر أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم بدفن قتلى المشركين في القليب ،بل انه نهى عمر بن الخطاب عن قطع لسان سهيل بن عمرو الذي كان يهجوا النبي ويؤلب الناس عليه ، حيث قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لعمر :" لا امثل به فيمثل الله بي وان كنت نبيا ".   

المصادر والمراجع:

- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- أحمد بن عثمان المزيد ، هدي محمد (صلى الله عليه وسلم ) في عباداته ومعاملاته وأخلاقه ،دار الوطن للنشر ،الرياض ، 2006.
- سعيد حوى ، الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج1 ، 1971.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- فهمي القدومي ، تنظيم القيادة في عهد الرسول ، مجله الاقصى ، العدد 773، تاريخ 1/12/1986.

No comments :

Post a Comment