Wednesday, December 23, 2015

تنظيم القيادة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم -5-هيئة العمليات والتدريب

تنظيم القيادة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم -5-( هيئة العمليات والتدريب):

ينبغي على المسلم أن يتعرف أكثر عن أمور دينه وعلى سيرة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، ويستنبط مما يقرأ الفوائد والمنافع الحاصلة في الأمور الدينية والدنيوية والأخروية، من خلال قراءة متأنية متبصرة مسترشدة للنور مستهدية للحق طالبة للحقيقة.

وبهذه القراءة يجتمع لديه علم ومعرفة، يكون سلاحه أمام مثيري الشبهات والساخرين من الإسلام ورسوله، فيرد عليهم بالحجة والدليل والبرهان بأن الإسلام دين الحق والعدل، دين صالح للمجتمع وللسياسة ولمناحي الحياة ومنهاالتنظيم والقيادة، كما فعله النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومثاله تنظيم القيادة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم في جانب هيئة العمليات والتدريب.

هيئة العمليات والتدريب :
وهي الجهة الحساسة والمهمة في القيادة العسكرية وذلك لأنها تختص بالتخطيط لاستخدام القوات في السلم والحرب وتطويرها والتأكد من جاهزيتها للقيام بمهامها دائما، وكذلك تعنى بموضوع التدريب على الأسلحة والمعدات وعلى أساليب القتال وفنونه.

وقد اهتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم على تضمين قيادته العسكرية لهذه الهيئة الحساسة والهامه، حيث ضمت إدارات مختصة بالتدريب والتخطيط لعمليات ومتابع شؤون القتال وإجراءات المعركة ،وقد كانت تضم هذه الهيئة عددا من الإدارات التي تقوم بواجبها حسب الاختصاص وهي  :

أ‌.        إدارة التدريب -ب- هيئة الأمن والاستطلاع:
وسنتكلم عن إدارة التدريب
أ‌.        إدارة التدريب :
  لا شك ان التدريب عنصر هام و نشاط حيوي من عناصر ونشاطات الحياة العسكرية ، فلا يمكن لجيش ان يقوم بمهامه وواجباته على أكمل وجه إلا بالتدريب ، ولأهمية التدريب فإن الجيوش تؤسس إدارات وهيئات مختصة بالتخطيط عمليات التدريب والإشراف عليها ومتابعتها وتوفير كلُّ ما مِن شأنه أن يهيئ أسباب التدريب الجيد لجنودها ، وللتدريب فوائد جمة وأثار ايجابية كثيرة أهمها :
- بقاء الجنود على درجه عالية من الكفآة والاستعداد .
- التأهب المستمر للقتال والدفاع عن الأوطان .
- الثقة العالية لدى الجنود بأنفسهم وبقادتهم .
-تحقيق النتائج المطلوبة في ساحة المعركة .
- توفير الخسائر والتقليل منها في ميدان القتال .

أما في الإسلام فقد حظي التدريب في العسكرية الاسلامية بالعناية  والرعاية وذلك كجزء من إعداد القوة التي أمر الله بها

فقد اهتم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالتدريب والاستعداد  وحث عليه وشجع أصحابه وجنده على ان يكونوا أقوياء أشداء ، حيث قال:" المؤمن القوي خير وأحب إلى الله  من المؤمن الضعيف ".

و شجعهم على تعلم الفنون القتالية وإتقان المهارات المختلفة، كالرماية وركوب الخيل والسباحة والتدرب على السلاح ، ومن أحاديثه الشريفة الدالة على ذلك قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" ألا إن القوة الرمي "وكررها ثلاثا.
وقال أيضا :" ارموا بني إسماعيل فان أباكم كان راميا ".

ومما يدل على احترام النبي محمد صلى الله عليه وسلم للتدريب والمتدربين ، انه مر بموضع يتدرب فيه الصحابة على الرمي ، فنزع نعليه وقال:"روضٌ من رياض الجنة".  وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مشجعا لركوب الخيل والتدرب عليها :" الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة  ، الأجر والغنيمة ".

 وعني النبي محمد صلى الله عليه وسلم بتزويد جنده بأحدث الأسلحة ليواكبوا التطورات ويتفوقوا على عدوهم ، حيث بعث نفر من الصحابة إلى (جرش) ليتعلموا صناعه الدبابات والمنجنيقات وغيرها من الأسلحة التي كان يتفوق غيرهم بها .

ومن أجل تطوير التدريب وتحسين مستوى المقاتلين فقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يحثهم على التنافس فيما بينهم ، ويجري المسابقات بينهم .

ومن عناية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالتدريب أنه سمح للأحباش بالتدرب على المبارزة في المسجد ، بل إنه كان ينظر إليهم ، وعندما أنكر عمر عليهم ذلك الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لعمر :" دعهم يا عمر". 

وقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يصنع من أتباعه وصحابته وجنده قادة أشداء وليسوا إمعات منقادين، فكان كل واحد مكنهم قائد بحد ذاته،وقد كان هذا احد عوامل الاستمرارية لهذا الدين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أوجد بعده  قادة يحملون المسؤولية ويقومون بمتطلبات  هذا الدين، ويستشعرون بالمسؤولية تجاه نشره، ولديهم القدرة الفائقة على اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب.

وسيرة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام مليئة بالمواقف والأحداث التي تدل على أنه كان يتعامل مع أصحابه على أنهم قادة أشاوس أصحاب رأي، وأصحاب موقف، ولديهم القدرة على صنع القرار، وقد أوردنا أمثله كثيرة تدل على ذلك ، ولعل من أبرزها ما كان في غزوة بدر حينما نزل النبي صلى الله عليه وسلم أول ما نزل في مكان معين، جاءه رجل عادي من جنوده، هو الحباب بن المنذر رضي الله عنه، قال: "يا رسول الله أهذا منزل أنزلك إياه الله ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟"قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة) قال: "فما هذا بمنزل".

فقام النبي صلى الله عليه وسلم،واحترم رأي الجندي  وغيّر مكان الجيش الذي نزل به،بل انه غير الخطة كلها بناءاً على اقتراح وجيه جاءه من جندي في الجيش .

والحقيقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع كل شخصية من صحابته بما يناسبها،فبعض الصحابة كانت فيهم موهبة القيادة من قبل إسلامهم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على تنميتها وصقلها والاستفادة منها في خدمه الدين ، كأمثال أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين .

أما الصحابة الذين كان يرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أن القيادة حمل ثقيل عليهم لأسباب متعددة ، فقد وجههم إلى أمور أخرى كالتعليم والتدريس والدعوة  ، ويظهر ذلك في قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:": (يا أبا ذر إني لأراك ضعيفا وإني لأحب لك ما أحب لنفسي لا تَأْمُرَّنَ على اثنين) أي لا تكن أميرا  أو قائدا ولو على اثنين.

 وهناك جيل آخر من الصحابة الذين ولدوا وتربوا في مدرسه الإسلام  فهولاء صار معظمهم ، قادة أشداء ساهموا في نشر الدين وحققوا الانتصارات والفتوحات  ،وتوزعوا في البلاد المختلفة، وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على أن الأصل أن البيئة التي صنعها النبي صلى الله عليه وسلم هي بيئة تصنيع قادة، وهي مدرسة متكاملة لازالت تخرج قادة متميزين جيلا بعد جيل على مر العصور.

ومن أبرز المشاكل الإدارية المنتشرة في زماننا هي  تربية الأتباع والمرؤوسين  تربية عبيد لا تربية قادة ، في كثير من المنظمات تجدها في أغلب الأحيان تمارس نظاما إداريا مركزيا لا يهتم بالمرؤوسين وخاصة  ذوي الكفاءات العالية ، بل قد تجد  كثير من المدراء في المراكز العليا يخافون ويبتعدون عن تعيين ذوي الكفاءة العالية حتى لا يأخذوا مكانهم في المستقبل او يتفوقوا عليهم في الأداء فيجلبوا الانتباه إليهم من خلال نجاحهم  مما يسبب خسارة المنصب لمثل هؤلاء المدراء ، وتجدهم كذلك غير حريصين على تطوير موظفيهم تطويرا حقيقيا يؤهلهم ليخلفوهم من بعدهم في المراكز القيادية ، ولذا فان مثل هؤلاء القادة  المتسلطين الأنانيين لا يعجبهم إلا أن يسير وراءهم مجموعة من المرؤوسين الذين لا يفقهون شيئا ولا يتقنون شيئا .

إن وجود مثل هؤلاء القادة والمديرين إضافة إلى وجود القوانين البالية التي لا تحافظ إلا على الروتين والبيروقراطية الجامدة التقليدية ، يعتبر من أكبر أسباب فشل كثير من المنظمات، وانطباعها بطابع السلبية وتعطل كفآتها وطاقاتها  الإنتاجية، ولا شك أن عدم وجود أتباع مخلصين واعين يعبرون عن آرائهم بشجاعة، ويستفسرون من قيادتهم عن أسباب قراراتهم، ويقومون بواجب النصح لقادتهم يعتبر كارثة محققة لأي مؤسسة . 

أما في الإسلام فالأمر مختلف فالمدرب والمتدرب لهم الاحترام والتقدير ولأرائهم كل الاهتمام والإصغاء ، لأن الإسلام يحترم الناس كافه صغيرهم وكبيرهم أبيضهم وأحمرهم عربيهم وأعجميهم .

أما بالنسبة للمدرب فقد احترمه الإسلام وكرمه ورفعه منزله عالية ،فمن يعلم في الإسلام منزلته ليس كمن لا يعلم  وفي هذا يقول تعالى :" يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم  درجات " ، ويقول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" العلماء ورثه الأنبياء ".
وقد أراد الإسلام لمدرب والمعلم صفات وآداب تليق به وبمكانته ، ومن هذه الآداب :

-التواضع ولين الجانب: حيث يقول تعالى :" وفوق كل ذي علم عليم " ،" وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " .وقال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:" كفى بالمرء إثما إذا أعجب برأيه " ، وقال أيضا :" وما تواضع احد إلا رفعه الله ". 

-الثقافة الواسعة :   على المدرب والمعلم ان يكون ذا ثقافة واسعة وإطلاع كبير على كل ما يتعلق بعمله  وتخصصه أضافه الى تعرفه على كل ما هو جديد في عالم المعرفة والعلوم ، مستجيبا لقول ربه : " وقل ربي زدني علما".

-القدوة الحسنة : لأن تلاميذه سيحذون حذوه فيما يقول وفيما يفعل لذا عليه أن يتصرف بأحسن الأخلاق وأحسن الأفعال .

-فصاحة اللسان والبلاغة في القول : لكي يستطيع ان يوصل رسالته بسهولة ولكي يكون مقنعا فيما يقول .

-الواقعية  : وفي ذلك يوجهنا رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بقوله :" أُمرنا معاشر الأنبياء  أن نكلم الناس على قدر عقولهم ".

-الصبر والحلم والأناة :  وقدوتنا في ذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي وجهه ربه إلى هذه الصفة الطيبة حين قال تعالى :" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ".

-تقبل النقد والتراجع عن الخطاء : ويسير في ذلك على هدى الحق حين قال :" ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون " .

      وهناك صفات أخرى كثيرة يتطلبها واقع الحال المعاش على المدرب والمعلم وكل من تولى تعليم الآخرين وتدريبهم أن يتصف بها ، لينال رضا ومحبه من يتولى تدريبهم وتعليمهم .

المصادر والمراجع:
- زهاء الدين عبيدات ،القيادة والإدارة التربوية في الإسلام ، دار البيارق ، عمان ، 2001.
- مهدي الحسيني ، مسؤوليات القيادة الاسلاميه ، دار المشرق العربي الكبير ، لبنان ، 1978.
- احمد عبد ربه بصبوص ، فن القيادة في الإسلام ، مكتبة المنار،  الزرقاء الأردن ، 1989.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- سعيد حوى ، الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، ط2، دار الكتب العلمية ، بيروت ،

No comments :

Post a Comment