Monday, December 21, 2015

تنظيم القيادة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم -3-إدارة التوجيه المعنوي،رفع معنويات الجيش وتحطيم معنويات العدو



تنظيم القيادة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم -3-(إدارة التوجيه المعنوي،رفع معنويات الجيش وتحطيم معنويات العدو):
 تنظيم الدولة الإسلامية في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام بلغ من الدقة والترتيب مبلغا كبيرا.

وحينما تتكلم الحقيقة وينطق الحق يصمت الباطل ويتوارى في الظلام ، ليسمح بنور العلم لينشر ضيائه في أرجاء النفس والعقل.
وأما الذين يمجدون الخطأ ويعلون من الباطل ويرفعون من شأنه فسيبقون في ظلمتهم.

وهذا ما هو حاصل مع الذين يحاربون الإسلام ويقاتلون الحق الذي يمثله والصواب الذي يحوطه، فيرجعون في نهاية الأمر خاسرين نادمين على ما أنفقوا من أموال ووقت في هذا الأمر.

فلا يغرنك انتصارهم لبعض الوقت وكسبهم لشيء قليل، فما هي إلا دورة ويأتي الحق فيمحقهم وتأتي الحقيقة فتجعلهم أثرا بلا عين.

والناظر للإسلام بتمعن وتدبر، والمقلب نظره في أطرافه وأنحاءه وجميع تشريعاته يجدها صالحة للإنسان نابعة بالخير لبني الإنسان، ملاءمة لهم متوافقة مع فطرتهم.

إن الإسلام جامع شامل لكل خير ونفع وفائدة للمسلمين ولغيرهم، ونرى ذلك في تعاليمه وسيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام المنبثقة من فهمه للإسلام بوحي من الله عز وجل، وتنظيمه للمجتمع وقيادته الفضلى المثلى.

ومنها تنظيم الني عليه الصلاة والسلام للقيادة وإدارته لمختلف أنواعها، ومنها إدارة التوجيه المعنوي.

إدارة التوجيه المعنوي :
وهي من الإدارات الهامة والحيوية في الجيش والتي لا يمكن لأي جيش الاستغناء عنها وذلك لأهمية الدور الذي تقوم به،  فقد شاهدنا كم هي المعنويات مهمة في المعركة لا بل قبل المعركة لأن القوة والعتاد لا يجديان نفعا بدون المعنويات .

رفع معنويات الجيش:
لذا فقد حرص الرسول عليه الصلاة والسلام على رفع المعنويات لأصحابه في السلم والحرب ومن أجل ذلك  فقد كوَّن إدارة التوجيه المعنوي والتي كان لها هدفان رئيسيان وانبثق عنهما اهداف فرعيه كثيرة أخرى، وهما :

1.  تنميه الروح المعنوية والمحافظة عليها عالية باستمرار .
2.  وبالمقابل كان واجب هذه الإدارة هو تحطيم معنويات العدو . 

وقد استخدم النبي محمد عليه الصلاة والسلام أساليب كثيرة لتحقيق هذان الهدفان ،ومن الأساليب التي كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يمارسها ليحافظ على معنويات جنده: 

-  مساواة نفسه بهم ، فكان من الصعب التفريق بين القائد والجند ، حيث كان يشاركهم في جمع الحطب وإيقاد النار وطهي الطعام  ، وكان يحفر معهم في الخندق ويجمع الحجارة ،وغيرها من الأعمال .

- مشاركتهم أفراحهم وأحزانهم ومواساتهم بما يصيبهم .

-  وكذلك الاندفاع بلا تهور والشجاعة أمامهم بلا طيش ، فلم يكن يوما خلفهم-كالكثير من القادة في عصرنا- بل كان إمامهم وأمامهم في نفس الوقت ،  بل إنه كان أشجعهم ، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب :"إنا إذا اشتد الخطب واحمرت الحدق ، اتقينا برسول الله  عليه الصلاة والسلام وهو أقربنا إلى العدو". 

- توزيع الغنائم بالعدل والإنصاف بين المقاتلين وكذلك توفير السلاح والعتاد لهم لأن ذلك من أكبر وسائل رفع المعنوية وهو شعور الجندي بأنه يمتلك السلاح الفعال والقوي. 

-  كان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يقوم بدور الأب الحاني والراعي لأسر المجاهدين والشهداء ورعايتهم ،مستجيبا لنداء ربه :" فأما اليتيم فلا تقهر "، وعزز ذلك بقوله:" انا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بإصبعه السبابة والوسطى" ليدل على أنهما قرينان او صنوان ".

 وكذلك قال:" خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ".

ومما يدلنا على عناية الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بأسر المجاهدين والشهداء ،أنه بعد انتهاء معركة أحد ،لم يرجع عليه السلام إلى بيته ،قبل أن يمر على دور المجاهدين الذين استشهدوا لمواساة أهليهم ، فمر على دور بني الاشهل فأقبلت أم سعد بن معاذ وعزاها بعمرو بن معاذ ، فدنت من رسول الله وتأملته وقالت له :" أَمَا إذا رأيتك سالما فقد هانت المصيبة ، فقال لها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:"  يا أم سعد ابشري وبشري أهليهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا وقد شفعوا في  أهليهم فقالت ام سعد :" رضينا برسول الله "وقالت ادعوا يا رسول الله لمن خلفوا ، فقال الرسول محمد عليه الصلاة والسلام:" اللهم أذهب حزن قلوبهم واجبر مصيبتهم  وأحسن الخلف على من خلفوا .." . 

وبعد معركة مؤته ذهب إلى بيت جعفر الذي استشهد بالمعركة وطلب أن يرى أبنائه فلما أتوا بهم تشممهم وذرفت عيناه ....

 و يكفي ان نعلم أن الرسول محمد عليه الصلاة و السلام:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ، من كان في حاجه أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربه  فرج الله  عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما سترة الله يوم القيامة " متفق عليه . 
 
- كان الرسول محمد عليه الصلاة والسلام يقوم بغرس الثقة فيما بينه وبين جنده ونيل محبتهم فقد كانوا يفدونه بالمهج والأرواح ويدافعون عنه حتى الموت .

-  ومن وسائل رفع المعنوية في الجيوش هو الانضباط والطاعة والالتزام بالأوامر التي تصدر من القيادة ، وهذا ما تمتع به أصحاب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام حيث كانوا في غاية الانضباط والطاعة والتزام الأوامر.  

تحطيم معنويات العدو:
       وقد أدرك الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ان تحطيم معنويات العدو لا يقل أهميةعن رفع معنويات جنده ،حيث مارس عدة أساليب أدت الى تحطيم معنويات عدوه أهمها :

-  استخدام العيون والاستخبارات لمعرفه أسرار وتفاصيل أخبار العدو،وهذا ما حقق له عنصرا هاما وهو المفاجأة والمباغتة،ولهذين العنصرين أهمية لا توصف في تحقيق النصر في المعركة.

 - كذلك استخدام أسلوب التلويح بالقوة،واستعراض وبيان قوته أمامهم مما ردعهم ومنعهم عن التعرض له والاعتداء عليه.

- كذلك استخدم أسلوب بث المعلومات المضادة بين صفوف العدو لإضعاف معنوياته وزعزعه ثقته بنفسه وبقدراته.

 - كذلك نشر أخبار قوته،ومنعة –قوة-جيشه وما يتمتعون به من جاهزية  قتالية، واستعداد للموت.

ولكن يجب أن ندرك أن من أهم وسائل إيقاظ المعنويات بالجيوش هي العقيدة التي يؤمنون بها ، وكذلك سمو الغاية والهدف الذي يندفع من اجله الجندي الى الموت .

لذا فقد شكلت العقيدة الاسلامية المعين الذي لا ينضب لمعنويات جند الإسلام .

 وكذلك إيمانهم بان الهدف الذي يقاتلون من اجله هدف نبيل وبان غايتهم غاية مقدسه ، فالحرب لم تكن عندهم هي الغاية بل وسيلة لنشر الدين الجديد وإيصال رسالة الله إلى الناس كافه لإخراجهم من الظلمات إلى النور وإصلاح أحوالهم وتحسين معايشهم.

وكذلك  فقد شكل إيمانهم العميق بالنتيجة التي سيصلون إليها دافعا قويا لمعنويات عالية دائمة ومستمرة فهم يؤمنون بالنصر او الشهادة .

المصادر والمراجع:
- أكرم الديري، الجيش وتاثيراته في سياسه الدولة الاسلامية ،دار الكتاب الثقافي ،اربد ، 2003.
- نزار النعيمي ، الجيش وتأثيراته في سياسة الدولة الإسلامية ، دار الكتاب الثقافي ،اربد ،2003..
- محمد سليم العوا ، في النظام السياسي للدولة الاسلاميه ، المكتب المصري الحديث ، ط3 ،1979.
- عباس محمود العقاد ، عبقرية الصديق ، ط14، دار المعارف ، القاهرة ،ب ت .
- فوزي كمال ادهم ، الإدارة الاسلاميه ، دار النفائس ، 2001 .
 -محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.

No comments :

Post a Comment