Thursday, December 17, 2015

مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية (4):المرونة والمعنويات العالية



مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية (4) (المرونة والمعنويات العالية):
ما أعظم الإسلام لمن درسه بإنصاف بعيدا عن التعصب المقيت والتطرف المنكر والحقد المظلم والكراهية الشنعاء والبغضاء الدموية.
ما أعظم الإسلام لمن درسه بعيدا عن تقليد ما يقوله أعداء الإسلام، وعن ترديد وتأييد ما ينشره أعداء الإسلام من مقولات كاذبة مخفية للحقيقة بعيدة عن الصواب، ممتلئة بالشبهات والتشكيك والنظريات الزائفة الزائغة عن الحق.
فإذا ما قرأت شيئا عن الاسلام فلا تقبله حتى تقرأه من جميع نواحيهه وتستمتع لجميع الأقاويل به وحتى تدرسه بالرأي والرأي الآخر، وقبل فعل ذلك لا تأخذ فكرة مسبقة وتنطلق منها بل كن متجردا من أي ميل لهذا أو ذاك أو ذلك، فعندها ستظهر لك الحقيقة واضحة مشرقة.
وبهذا ستتعرف على الإسلام الحقيقي الخالي من ظلاميات المتعصبين وتشوهات الأعداء ومن مقالات الزائفين الزائغين.
وبهذا ستعرف أن الإسلام دين عظيم يقوم على الجق والعدل ويدخل في مناحي الحياة اليومية من سياسة وحكم ودستور ومال واقتصاد وإدارة وحكومة وجيش، وكيف لا يكون كذلك، وهو دين الله الذي خلق البشر وهو أعلم بهم من أنفسهم؟!
 وفي هذا الموضوع تأكيد على ما سبق من بيان مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية.
فمن مبادئ الاستراتيجية العسكرية الاسلامية:
1. مبدأ المرونة :
طبق المسلمون في إستراتجيتهم العسكرية وبشكل واضح هذا المبدأ .
حيث كانت القيادات العليا تصدر الأوامر بشكل عام وتترك التفاصيل للقيادات الفرعية وعلى كافة المستويات.
 وهذا ما كان يمنح القادة الميدانيين حرية التصرف حسب الموقف الذي يكونون فيه مما أوجد جيلا من القادة البارعين الواثقين من أنفسهم  القادرين على التصرف في أحلك المواقف.
 وكذلك ساعد على حسن التصرف والمرونة في اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب ، وعدم التقيد بالأوامر الحرفية للقيادات العليا والتي قد تكون بعيدة عن الموقف الميداني للمعركة.
 وهذا ما جعل الاستراتيجية العسكرية الاسلامية تتمتع بالكفاءة والمرونة واللامركزية. وكذلك منحها مرونة نقل القطاعات وتغيير الجبهات حسب ما يستدعيه الموقف الراهن، وإن ما فعله خالد بن الوليد عندما نازل الروم في معركة اليرموك هو تغيير للخطة التي كان  يتوقعها العدو منه ،حيث قضى على جيش الروم الأول
 ثم انفرد بالجيش الثاني الذي كان يهدف إلى إبادة مؤخرة جيش المسلمين ،
واستخدم المسلمون أساليب مختلفة في القتال؛
1- حيث استخدموا أسلوب الالتفاف والإحاطة .
2-كذلك ضرب الاجنحه أو الأسلوب الجبهوي.
و3-كذلك أسلوب ضرب نقاط الضعف.
وكذلك استخدموا أشكالا مختلفة تنظيم القطاعات المقاتلة ،
1-حيث استخدموا أسلوب الرتل والصفوف كما فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) في معركة بدر ، حيث نظم الجيش بصفوف هو أسلوب جديد في القتال حيث تم تقسيم المقاتلين إلى صفوف أولها صف من المسلحين بالرماح تستخدم لصد الهجمات والصفوف الأخرى المتعاقبة تكون من المسلحين بالنبال التي تسدد على المهاجمين من الأعداء ،
وهذا الأسلوب يؤمن سيطرة  اكبر للقائد على قواته ويبقي بيد القائد قوة احتياطية يستخدمها عندما يتطلب الموقف ذلك ،
ويصلح هذا الأسلوب للدفاع والهجوم معا لأن فيه سيطرة و احتياط، ويسمح  باستثمار الفوز أكثر من غيرة من الأساليب ،
ولقد كان استخدام النبي(صلى الله عليه وسلم) لهذا الأسلوب في بدر دور كبير في تحقيق النصر على المشركين الذين استخدموا أسلوب الكر والفر،
وقد أثبتت التجارب الحربية قديما وحديثا إن أسلوب الصفوف هو طريق مناسبة وفعاله للقتال ، إضافة إلى أنه حقق عنصر المفاجأة  للأعداء لأنه أسلوب جديد لم  يعهدوه من قبل ،  
2-وأيضا طبق الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند تقربه من المدينة في بدر تشكيلا جديدا في المسير لا يختلف عن التشكيل المعاصر الذي تستخدمه القوات في الحرب الحديثة،
حيث تم تقسيم القوات إلى مقدمه ومؤخرة وبقية القوة ؛بالإضافة إلى دوريات استطلاع تسبق القوة المتقدمة وتؤمن الحماية لها من الكمائن والمصائد الغير متوقعه. 
3-وأيضا طبق المسلمون أسلوب الكتائب والكراديس.
4-بالإضافة إلى استخدامهم أسلوب الحصار الاقتصادي  على قريش الذي اجبرهم على الاستسلام في النهاية.
ويبدو أن المسلمين  كانوا يستخدمون الأسلوب الانجح والأحدث  والذي يؤمن لهم تحقيق الهدف بسهوله وبأقل تكاليف واقل خسائر .
2. مبدأ رفع المعنويات العالية :
إن الروح المعنوية وكما يعرفها علم النفس هي :" الحالة العقلية للفرد في وقت معين وتحت تأثير ظروف معينه " .
وقد عرفها الخبراء العسكريون بنها :" مجموعه من الأفكار والمبادئ التي تمكن الفرد من الاحتفاظ بالشجاعة والعزيمة والقدرة على تحم المصاعب والمواقف الحرجة " .
 وقد اعتبروها السلاح الفعال في يد القائد في ساحة المعركة بحيث تغطي جانبا هاما فيها ، وهي كذلك السلاح الفعال والأقوى ، وهي عبارة عن عملية تغذية المقاتل بشعور خفي تجعله لا يهاب الموت ولا يعرف المستحيل ولا تقف امامه الصعاب " .
  لقد اجمع الخبراء العسكريون وعلى مدار التاريخ على أهميه المعنويات واعتبروها العنصر الأساسي والهام في كسب المعركة والانتصار على الأعداء .
 وقد تنبه المسلمون إلى هذا العنصر وجعلوه من أهم ما تضمنته استراتيجيه الحرب لديهم.
وقد ارتكز المسلمون في تقويه هذا العامل إلى الإيمان العميق الذي كان يحمله المقاتلون في صدورهم والى سمو الهدف ونبل الغاية التي كانوا يقاتلون من اجلها .
 فخالد بن الوليد يخاطب جند الروم الذين تحصنوا في قلاعهم وحصونهم المانعة فيقول لهم :" والله لو كنتم في السحاب لحملنا الله إليكم أو أنزلكم إلينا ".
 وكلمات عبد الله بن رواحه يوم مؤتة هي دليل على معنى المعنويات وقيمتها عند المسلمين ، حيث قال :" ما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثر ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به " .
وقد شهد أعداء الإسلام قبل أصدقائه بالمعنويات العالية التي كان يتمتع بها جند الإسلام فها هو ( مونتغمري ) يقول :" لم تكن أهم مميزات الجيوش الاسلامية عبر التاريخ في تجهيزاتها وتنظيمها ولكن في معنوياتها التي كانت وليدة دينها " .
وهو قول نصفه حق ونصفه باطل، أما النصف الحق فهو أهم المميزات هو المعنويات العالية النابعة من الدين الاسلامي,
اما النصف الباطل فهو قوله (لم تكن أهم مميزات الجيوش الاسلامية عبر التاريخ في تجهيزاتها وتنظيمها) وهذا كلام خاطئ ، لأن الجيوش الاسلامية كانت تتمتع بكفاءة عالية في التجهيز والتنظيم الدقيق، وإن كان عددهم قليلا ، فهذا لا يمنع أن تجهيزهم وتنظيمهم كبيرا كما في غزوة بدر وفتح مكة ومعركة اليرموك والقادسية وحطين والزلاقة وغيرها.
 ويقول مونتغمري عن المعنويات بشكل عام وأهميتها :" إن أهم عامل في الحرب هو المعنويات وعندما تتدهور المعنويات تصبح الهزيمة حتمية "
وقد أدرك الرسول القائد أهميه المعنويات في تحقيق النصر والسيطرة على القوات حيث جسد ذلك عمليا في مواقف كثيرة أهمها : يوم أحد حين صعد إلى تلة مرتفعه وأخذ ينادي : " إلي يا فلان ، إلي يا فلان ، أنا رسول الله " وكان ذلك بقصد إشعار الجنود بأنه معهم وبينهم يواجه المخاطر والصعاب كما يواجهون فترتفع معنوياتهم ويعودون أقوياء ، وكذلك موقفه في بدر حينما قال لأصحابه :" والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل ، فيقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر إلا ادخله الله الجنة " فألهب ذلك حماس المسلمين وزاد من معنوياتهم وقوى عزيمتهم .
المراجع والمصادر:
- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- احمد العدوان ، المعنويات مسؤولية كل قائد ، مجله الأقصى ، العدد 771، تاريخ ا/10/1986.
- نزار عبد اللطيف الحديثي ، محاضرات في التاريخ العربي،بغداد 1979.
- ب.هـ.ليدل هارت ،الاستراتيجيه وتاريخها في العالم ، تقديم اكرم الديري ،ترجمه الهيثم الايوبي ،دار الطليعه ،  بيروت ،1979.
- محمد بن عبد الوهاب، مختصر سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، منشورات وزارة الأوقاف السعودية ، 1418هـ.

No comments :

Post a Comment