Sunday, December 27, 2015

أهداف وغايات الحرب والقتال في الإسلام



أهداف وغايات الحرب والقتال في الإسلام:

لم يكن هدف الحرب والقتال في الإسلام في يوم من الأيام القتل والتدمير والتخريب واستعمار واستغلال مقدرات الشعوب والأمم ، ولم تكن تهدف الى إجبار الناس على إتباع شيء لا يريدونه بالقوة ، بل إنها كانت حربا عادله ،أخلاقية ، لها أهداف سامية ،ونبيلة.

كان هدفها إخراج الناس من الظلمات والجهالة والتخلف ، الى نور الإسلام وعدله وسماحته ورحمته .

لم تكن حربا عدوانية ،بل انها كانت لرد العدوان إذا ما وقع على ديار الإسلام والمسلمين.

لذا فقد كانت مهمة الفتح الإسلامي مهمة ميسرة وسهله ،حتى أنها وخلال زمن قياسي وصلت رسالة الإسلام إلى معظم أجزاء العالم المعروف آنذاك ، وذلك برضا وقبول وترحيب من أهل الديار التي دخلها المسلمون وذلك لما شاهدوة من رحمة وأخلاق المسلمين الفاتحين.

وفي هذا الصدد يقول (جوستاف لوبون ) في كتابه "حضارة العرب " :" إن العالم لم يعرف فاتحا أرحم من المسلمين ".

تحديد المفاهيم :
لابد لنا أن نعرف بعض المفاهيم التي سنستعملها بكثرة في هذا الفصل والتي من أهمها :

- الحرب العادلة : " هي الحرب التي توجة ضد شعب ارتكب ظلما نحو شعب
آخر ولم يشأ رفعة ، ويشترط فيها ان تكون مطابقة للقواعد الإنسانية ، وتكون  بهدف تحيق سلم دائم، كما يشترط فيها احترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معامله الأسرى والرهائن".

- معنى القتال في الإسلام : "هو قتال العدو لتامين حرية نشر الدعوة وتوطيد أركان السلام، مع مراعاة حرب الفروسية الشريفة في القتال".
- حرب الفروسية:"هي كفاح شرف لا يجوز أن يلجأ المحاربون فيه إلى عمل أو إجراء يتنافى مع الشرف ".

أهداف وغايات الحرب في الإسلام:

  إن الحرب في الإسلام لم يكن مقصدها التدمير والتخريب وقتل الأبرياء وترويع الآمنين، بل إن مقاصدها وغاياتها شريف ونبيلة ،وهي تتلخص فيما يلي:

1.تامين حريه نشر الدين :
   القاعدة الربانية التي بنى عليها المسلمون عقيدتهم القتالية في هذا الخصوص هي قوله تعالى : "لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد من الغي " البقرة 256.

إن اعتناق وإتباع الدين في الإسلام ليس بالاكراة وبحد السيف ، بل هو بالدعوة اللينة الحسنه ،المبنية على أسلوب الإقناع وليس الاكراة والإجبار ، قال تعالى :" ادع الى سبيل  ربك بالحكمة والموعظة الحسنه وجادلهم بالتي هي احسن " النحل 125.

إن أسلوب الإسلام في جذب الناس إلى الدين هو الحكمة والموعظة الحسنه والإقناع العقلي؛لذلك فإن المسلمين لم يقاتلوا من أجل إجبار الناس على اعتناق الإسلام بالقوة ،بل كان الهدف هو تأمين الحماية لحرية العقيدة وتأمين حرية انتشارها بين الناس ، لأن الإسلام قد صان حرية الرأي والتعبير وضمنها للناس ، وذلك قبل أن تتنادى إليها الأمم المتمدنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالآلاف السنين ،وترك للناس الحرية في اتخاذ الطريق الذي يريدون متحملين مسؤولية اختيارهم ، قال تعالى :" ولو شاء ربك لأمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ، " يونس 99، وهذا يدل على حضارية الإسلام وشموليته وإنسانيته.

أما ما يقوله غير المسلمين بحقهم ، فهناك شهادات منصفة من بعضهم، حيث يقول (جوستاف لوبون) :" ان القوة لم تكن عاملا في نشر القرآن ، وإن العرب تركوا المغلوبين أحرارا في أديانهم ....." .

 هذه شهادة من مفكر غربي ليس بمسلم ولعمري أن شهادة الأعداء هي أبلغ من شهادة الأصدقاء لأنها تمتاز بالحياد والبعد عن التحيز.

2. الدفاع عن الدعوة :

لابد أن تكون الدعوة محفوظة ومصانة من عبث العابثين ومن اعتداء المعتدين لتكون عزيزة الجانب مهابة الحمى.

لقد تعرض المسلمون في بداية الدعوة إلى ألوان مختلفة من العذاب والظلم والاعتداء ، لدرجه أنهم هاجروا وتركوا أموالهم وديارهم وأهليهم ، وجلسوا في المدينة يتحملون الظلم ويصبرون عليه ولم يردوا بالحرب والعدوان منتظرين أمر الله ،حيث كان يقول لهم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام :" لم أؤمر بقتال ، لم أؤمر بقتال " .

 إلى أن جاء أمر الله بالدفاع عن الدعوة ورد الظالمين ، وحماية الدين وتوفير الأجواء المناسبة لهم للعبادة ونشر الدين الجديد وتامين حمايته ،حيث قال تعالى :" أًذِنَ للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " الحج 39.

عندها استجاب المسلمون لأمر الله فكانت حربهم حربا دفاعية ليست أداة للهدم والتخريب والإفساد وإذلال الناس وتحقيق المنافع وإشباع المطامع ، بل هي حفظ للتوازن ومنعا للظلم والتعسف والطغيان ، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى :" وقاتِلوا في سبيل الله الذين يقاتِلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " البقرة 190 ، وتنبه الآيات الكريمة إلى أن على  المسلمين أن ينتهوا من القتال  عندما يرتفع العدوان عنهم .

3.رد العدوان الخارجي :
وذلك امتثالا لقوله تعالى : "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين " ، لذا فإن المسلمين لا يقاتلون للاعتداء على ديار الآخرين ولا يدمروا بيوتهم وصوامعهم ولا يروعوا الآمنين المسالمين ، بل يردوا  وبكل قوة مَن يعتدي على بلادهم وديارهم ويدنس أرضهم.

وهذا يدلنا على أن الحرب في الإسلام تتخذ من مبدأ الدفاع منهجيه وأسلوبا لها تسير وفقه ولا تتخطاه ،فهي حرب دفاعية وليست عدوانية أو هجومية بغير وجه حق ،فهم لا يلجاؤن إليها إلا مكرهين مجبرين ،ويطبقون خلالها مواثيق الشرف والأخلاق ولا يقومون بما يتنافى مع مبادئ الإسلام السمحة وقيمه النبيلة .

 إن الحرب في الإسلام ليست حربا للإفناء إنما هي لرد الاعتداء ، وهذا المبدأ فرض على المقاتلين أخلاقيات عظيمة أثناء العمليات القتالية ، ولا أبلغ من نهي النبي محمد عليه الصلاة والسلام لأصحابه بقوله :" لا تقتلوا أصحاب الصوامع " ،وقوله لخالد بن الوليد :" لا تقتلوا ذريه ولا عسيفا "، وكذلك قوله :".... ألا لا تقتلوا الذرية، ألا لا تقتلوا الذرية ".

4.تحقيق السلام وتثبيت أركانه :

لا يمكن أن يكون للأمة هيبة بغير جيش قوي يدافع عنها عند الشدائد والمحن ، ويمنع العدو من أن تسول له نفسه أن يعتدي عليها ، وإن جاهزية هذا الجيش للحرب في كل وقت وحين ، يجعلها مهابة الجانب عزيزة كريمة يهابها أعدائها ويحترمون إرادتها ،ويمنعهم من التعرض لها أو التعدي عليها،عند ذلك يسود الأمن والسلام .

ان السلام – وليس الحرب – هو غاية الإسلام وهدفه  ، مصداقا لقول الله العظيم:" يا أيها الذين امنوا ادخلوا في السلم كافه " وقول الله الكبير:" وان جنحوا للسلم فاجنح لها".

فلم يدعُ الإسلام إلى الحرب والقتال بل إن من أهداف الإسلام العامة هو تحقيق السلام بين الأمم ،لأن الهدف المتوخى من إتباع الإسلام هو تحقيق السلام وليس الحرب  والنزاع .

 ويكفي أن نعلم أن لفظة ( السلم ) ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من 133 مرة، وهذا يدل على عظمه وقداسه الغاية المبتغاة من الحرب في الإسلام .

بعد هذا السرد الموجز لأسباب الحرب في الإسلام يبدو وبما لا يدع مجالا للشك بأن الإسلام لم يدعُ إلى الحرب بحد ذاتها كغاية ،ولم يدعُ إلى القتل والتخريب والدمار ،بل على العكس من ذلك دعا الى احترام الناس وعدم ترويعهم أو قتلهم أو إخراجهم من ديارهم أو هدم بيوتهم، بل كانت غايته هي رد العدوان والدفاع عن النفس ،وتأمين حرية العبادة ، وهذا يدلنا على أن الحرب في الإسلام هي الحرب العادلة ( المثالية ) أو (المشروعة) ، التي تكون غايتها رد العدوان ودفع الاعتداء (الدفاع عن النفس ) ، وكذلك حماية حقوق الدولة المعتدى عليها من قبل دوله أخرى ،وعكسها هي الحرب غير المشروعة التي تهدف الى السيطرة وبسط النفوذ واحتلال الأراضي واستغلال الخيرات وممارسه القمع والظلم والإرهاب وترويع الآمنين وقتل المتعبدين، كما فعلته الدول الأوربية بالدول العربية والإسلامية، وكما تفعله إلى الآن.

المصادر والمراجع:

- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- فهمي القدومي ، تنظيم القيادة في عهد الرسول ، مجله الاقصى ، العدد 773، تاريخ 1/12/1986.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
-أكرم الديري، الجيش وتاثيراته في سياسه الدولة الاسلامية ،دار الكتاب الثقافي ،اربد ، 2003.

No comments :

Post a Comment