Tuesday, December 29, 2015

أخلاقيات الحرب والقتال في الإسلام ج2



أخلاقيات الحرب والقتال في الإسلام ج2 :

نتابع الحديث عن أخلاقيات الحرب في الإسلام وكيف أن هذه الأخلاق كان لها أثر كبير في انتشار الإسلام وفي ترسيخه في قلوب المسلمين.

فمن أخلاقيات الحرب في الإسلام :

6.صيانة الأعراض والأموال :

  إن الحرب في الإسلام لا تشن للعدوان والبغي والانتقام بل إنها لتوطيد أركان السلام وتصون الأرواح وتحفظ الأعراض والأموال.

 وقد كانت أخلاقيات الحرب في الإسلام سببا رئيسيا لدخول كثير من الناس إلى هذا الدين أفواجا وجماعات لقناعتهم بأنه دين الرحمة والسلام .

يقول (مونتغمري) عن أخلاقيات الحرب في الإسلام :"كان المسلمين يُستَقْبَلون في كل مكان يَصِلون إليه كمحررين للشعوب من العبودية وذلك لما اتصفوا به من التسامح والانسانيه والحضارة ،مما زاد من إيمان الشعوب بهم علاوة على تميزهم بالشجاعة والصلابة في القتال وقد اأدى هذا الى اعتناق معظم الشعوب التي انتصر عليها العرب الدين الإسلامي " .

هذه شهادة الأعداء وليس الأصدقاء لذا فهي بريئة من التحيز والتزلف .

  وهل هناك أعظم من وصايا الرسول الكريم لجنده عند خروجهم للقتال ،فها هو يوصيهم فيقول :" اغزوا باسم الله ،لا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع ".

 وقد نهى النبي محمد عليه الصلاة والسلام عن قتل الضعفاء والنساء والأطفال .

 وقد بلغت إنسانية النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لدرجه أنه نهى أصحابه أن يدخلوا بيوت اليهود إلا بإذنه ومنعهم أن يضربوا نساء اليهود أو أن يعتدوا على ثمارهم في عزوة خيبر.

فقد حافظ على أعراض أعدائه اليهود ولم يرد لأصحابه ان ينتهكوا حرمات البيوت أو يطلعوا على أستارها حتى ولو كانت لأعدائه.

وقد سار على نهجه الشريف خلفائه من بعده:

 فها هو أبو بكر الصديق يوصي قائد جيشه الخارج للقتال فيقول له :"....وإذا انتصرتم فلا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ، ولا تحرقوا زرعا ولا تقطعوا شجرا ، ولا تذبحوا بهيمة إلا ما يلزمكم للأكل ولا تغدروا إذا هادنتم ولا تنقضوا اذا صالحتم ...." .

 وكذلك فعل عمر بن الخطاب حين أوصى سعد بن أبي وقاص قائلا:"..... واعلموا ان عليكم في سيركم حفظه من الله ، يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله ..." .

وهنا النهي عن ارتكاب المحرمات والاعتداء على الحرمات لأن الله رقيب على عباده يعلم خائنه الأعين وما تخفي الصدور .

7.عدم الاعتداء على المتعبدين:

   لقد كان من قواعد الحرب في  الإسلام احترام المتعبدين في صوامعهم حتى ولو كانوا على غير دين الإسلام، وهذا يدل على سماحه وعدل الإسلام وبأنه لا يجبر أحدا على ترك دينه والتحول الى الإسلام لأن قاعدته هي " لا اكراة في الدين" .

ونعود نتذاكر معا وصية الرسول الكريم الى قائد جيشه حين قال له :" ....اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع"،أي المتعبدين في صوامعهم ودور العبادة  الخاصة بهم.

وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"لا تقتلوا أصحاب الصوامع " أي الرهبان والمتعبدين .

يقول ارنولد توينبي : عن انتشار الإسلام بين مسيحيي مصر من الاقباط :

" ليس هناك شاهد من الشواهد يدل على ان دخولهم في الإسلام على نطاق واسع كان راجعا الى اضطهاد او ضغط يقوم على عدم التسامح من جانب حكامهم الحديثين ، بل لقد تحول كثير من القبط الى الإسلام قبل ان يتم الفتح حين كانت الاسكندريه حاضرة مصر وقتئذ لا تزال تقاوم الفاتحين "

وقد بلغ من كرم الإسلام ورحمته أن اسقط الجزية عن الرهبان والمنقطعين للعبادة ، فأي إنسانيه أعظم من ذلك ؟ .

فهو لم يأمر بإبادة المدن عن بكرة أبيها ومسحها عن وجه الأرض كما فعل كثير من القادة العسكريين أثناء حروبهم فها هو هتلر يقول لجنوده في الحرب العالمية الثانية :" يجب محو موسكو ولينينغراد من على الأرض" .

ولينين القائد الشيوعي يقتل أكثر من 5 مليون مسلم في روسيا ، ويقوم ستالين بقتل أكثر من 10 ملايين مسلم في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا، وكلا الاثنين قاما بمحو قرى ومدن وحرقها وقتل أهلها، ولم يفرقوا بين كبير ولا صغير، متعبد أو عالم ، امرأة شيخا أوعجوزة.

ولا ننسى ما فعلته أمريكا بمحو "هيروشيما وناغازاغي عن الوجود برمي قنبلتين ذريتين على كل منهما.

ويأتي مثقفي وعلماء هذه الدول للاستهزاء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والسخرية منه؟!!!

 وكذلك فعل القائد الروماني (ماريوس) عندما غزا بلاد اليونان حيث قال لجنده:" لا تدعوا على ظهرها إنسانا حيا إلا قتلتموه ولا زرعا الا أحرقتموه ليعرف الناس إنكم الرومان" .

إنه تناقض رهيب بين مبادئ الإسلام السمحة القائمة على الرحمة والتسامح والفضيلة والأخلاق الكريمة وبين من يدعوا إلى القتل والابادة والدمار والهلاك.

 ان هذا وغيره من الأدلة الكثيرة دليل على أن حرب الإسلام هي حرب أخلاقية مثالية سمحة.

8.عدم هدم البيوت وتخريب العمران :

بما أن الحرب في الإسلام غايتها بعيدة كل البعد عن الحقد والانتقام ، ولم يخرج لها المسلمون إلا مجبرين.

ورغم تمتعهم بالقوة والتفوق على أعدائهم .

كل ذلك لم يجعلهم متغطرسين حاقدين .

بل إنهم لم يتخلوا عن أعظم القيم السامية والمثل الاخلاقيه الطيبة في أحلك الظروف.

ورغم قدومهم إلى  بلاد هي غريبة بالنسبة لهم ،ومن عادة الجيوش القادمة للحرب أن تدمر وتخرب وتسعى الى ما يسمى (بسياسة الأرض المحروقة) من أجل تحطيم معنويات العدو والتأثير على قوته ،لكن ذلك لم يحصل ولا في معركة من معارك الإسلام،  وان وصايا الرسول الكريم إلى أصحابه وجندة المتوجهين الى القتال لهي خير شاهد على ذلك، فها هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم يوصي جيشه الخارج إلى مؤته بأن  :"لا يقتلوا النساء ولا الأطفال ولا المكفوفين ولا يهدموا المنازل ولا يقطعوا الشجر...".

9.احترام السفراء والرسل:

تبادل الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام السفراء مع الدول المجاورة له وبعث الرسل إلى الملوك والأمراء والزعماء يدعوهم الى الدين الجديد أو لإجراء المفاوضات حول أمر ما سواء كان امرا حربيا أم سلميا،فكانت تأتيه الرسل للرد على رسائله أو لتبين له موقف بلادهم ورأيها في الدين الجديد أو في القضية المتفاوض حولها .

وقد كان لهؤلاء الرسل عند نبينا الكريم كل الاحترام والتقدير وتوفير الحماية لهم  ومنع التعرض أو الاعتداء عليهم بأي شكل من الأشكال،لان أخلاقيات الإسلام العظيم ومكارم الأخلاق النبوية تأبى ذلك.

لذا فإن الرسل في الإسلام آمنون لا يقتلون ولا يُعتَدى عليهم ولهم حق الجوار والعهد ما داموا داخل ديار الإسلام.

ومن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص أنه قال لرسولَي مُسيلَمَه عندما سمع منهما كلاماً جارحا :"لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما " .

 وقد كان لهذه السُّنة الكريمة اثر كبير في بيان أخلاق الإسلام للشعوب الأخرى مما دفع بالكثير من الرسل وملوكهم وشعوبهم إلى الدخول في الإسلام أفواجا وجماعات .

وقصة أبي رافع رسول قريش تؤكد صحة ذلك،حيث قدم أبو رافع رسولا لقريش للنبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال له :"يا رسول الله إني لن ارجع إليهم ابدا "،فقال له الرسول الكريم:" إما إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع فان كان في قلبك الذي في قلبك فارجع " قال: فرجعت ، ثم أقبلت إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وأسلمت ".

هذة هي الأخلاق النبوية التي كانت القدوة الحسنه والحافز والدافع لكثير من أمم الأرض للدخول في هذا الدين والانضمام تحت لواءه وذلك لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول عن نفسه:" إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" .

 ولقد استقت القوانين الدولية من هذه السُّنة الكثير الكثير حيث منعت الاعتداء على البعثات الدبلوماسية والقنصلية واعتبرت ذلك من الأمور الخطيرة التي يؤدي إلى توتر العلاقات الدولية وقد تؤدي الى حروب طاحنة ،ولعل تاريخ العلاقات الدولية يحفل بالكثير من القضايا في هذا الخصوص.

10.العفو والصفح :

  إن الله بعث محمد عليه الصلاة والسلام رحمة للعالمين وذلك مصداقا لقوله تعالى :" وما أرسلناك إلا رحمه للعالمين ".

فقد كانت رحمته في كل وقت وحين فهي في الحرب كما هي في السلم والنماذج من ذلك كثيرة .

يقول سعيد حوى في كتابه (الرسول محمد صلى الله عليه وسلم):

"والناس الذين يخوضون المعارك ويسوسون البشر تقسو قلوبهم وتجف دموعهم ، ونادرا ما تجد الموغل في ذلك متصفا بصفه الرحمة ، ولكن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ومن اقتدى به ليسوا من هذا الطراز ، فمهما شئت عندهم من شجاعة وقوة وشدة وصبر وجدت ،ولكنها صفات لا تطغى على خلق الرحمة أبدا ، بل كما ان هذة الصفات في كمالها فكذلك خلق الرحمة عندة صلى الله عليه وسلم في كماله".

وقد سجل التاريخ مواقف كثيرة من سيرة الفتوحات التي قام بها جند الإسلام تدل على الرحمة والتسامح والعفو والصفح مما ترك أثارا عميقة في نفوس سكان الديار المفتوحة فكان دافعا لهم يدخلوا في دين الإسلام عن رغبه ومحبه.

فقد كتب المسيحيون في بلاد الشام إلى أبي عبيدة  عندما نزل في طبقه فحل أثناء فتح الشام يقولون له :"يا معشر المسلمين انتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا وأنتم أوفى لنا وارأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاة علينا ..." .

هذه شهادة أهل البلاد المفتوحة في المسلمين ،ومثل حال هولاء القوم الكثير كالفرس الذين لم يقاوموا المسلمين الفاتحين لبلادهم لأن حكامهم قد استبدوا وظلموا .

وكذلك الحال في أسبانيا عندما دخلها المسلمون فوجدوا  سكانها يتعرضون للمذلة والإهانة على يد القوط فرحب السكان بهم وفتحوا بسهوله ويسر.

 يقول الكونت (هنري دي كاستري) :

" ان المسلمين امتازوا بالمسالمة وحرية الأفكار في المعاملات ومحاسنه المخالفين ..".

شهادات وشواهد كثيرة تدل على رحمه الرسول الكريم في أشد المواقف وأعسرها وفي أحلك ساعات القتال بل وهو في أوج قوته.

 ويكفي ان نتذكر هنا موقفه من الناس الذين أذوه وضربوه وطردوه من بلده التي ولد فيها، فعندما جاءها  فاتحا وهو في عز قوته فقال لهم :"اذهبوا فأنتم الطلقاء".

 إنها رحمة إنسانية ليس بعدها رحمة،حتى أنها طالت الحيوان قبل الإنسان ، فها هو يأمر جنده الذين أفزعوا الطيور من أعشاشها فيقول لهم :"من فجع هذه بولدها ردوا ولدها إليها "،أي رحمه وأية رأفة هذه التي يتصف بها محمد عليه الصلاة والسلام .

وهذا بيان واضح مدعم بالأدلة القوية للجاحدين المنكرين  لأن يعلموا أن محمداً لم يكن إرهابيا قاتلا ولم يكن دمويا مخربا بل كان رحمة مهداة ونعمة مسداة لكل العالمين .

11.عقد الصلح والمعاهدات:

أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يرضى بالصلح وان يقبل دعوة السلم إذا ما دعي إليها حيث قال تعالى :"وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع البصير "الأنفال 61 .

والهدنة هي اتفاق بين الطرفين المتحاربين على وقف القتال لمدة يتفق عليها الطرفان وهي أنواع :

"فهي إما عامة او جزئية (محلية) ،

فالهدنة العامة: يسري وقف إطلاق النار فيها على كل القوات المتحاربة وعلى كل جبهات القتال.

 و الهدنة الجزئية :هي التي يقتصر وقف إطلاق النار فيها على جزء من القوات المتحاربة وليس كلها،

وشروط الصلح في الإسلام أن يكون فيه مصلحة عامة وأن لا يكون فيه إباحة لما حرمته الشريعة أو تحريم لما أباحته الشريعة مصداقا لقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:"الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا احل حراما او حرم حلالا ".



المصادر والمراجع:
- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- أحمد بن عثمان المزيد ، هدي محمد (صلى الله عليه وسلم ) في عباداته ومعاملاته وأخلاقه ،دار الوطن للنشر ،الرياض ، 2006.
- سعيد حوى ، الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج1 ، 1971.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- فهمي القدومي ، تنظيم القيادة في عهد الرسول ، مجله الاقصى ، العدد 773، تاريخ 1/12/1986.

No comments :

Post a Comment