Tuesday, December 15, 2015

مبادئ الاستراتيجية العسكرية الاسلامية (2) :(الحرب النفسية والحرب السلمية)



مبادئ الاستراتيجية العسكرية الاسلامية (2) :(الحرب النفسية والحرب السلمية)

إن الاسلام دين يقوم على مراعاة مصالح العباد، ويهتم لأمنهم وأمانهم وتوفير السلام لهم، ولذا كانت الحرب في الإسلام في أصلها حرب دفاعية تقوم على رد الباغي ودفع المعتدي أو ضد ناقض العهد أو مثير الاضطراب في بلاد الإسلام،وغير ذلك، وهو حق مشروع لكل البشر بغض النظر عن دينهم وانتمائهم، وهذا ما كان عليه الحرب في الإسلام، حرب دفاعية أو تكون للمساعدة من قبل جيران الدولة وهذا ما يتطلبه حسن الجوار.

وقد تنوعت مبادئ الاستراتيجية العسكرية الإسلامية، ومن أهم مبادئ الاستراتيجية العسكرية الاسلامية هي الحرب النفسية والحرب السلمية، وكلاهما على جانب من الأهمية كبير، وذات موقع ممتاز في نظرة الإسلام للمبادئ العسكرية وقواعدها.

فمن مبادئ الاستراتيجية العسكرية الاسلامية:

1.الحرب النفسية:
تلعب الحرب النفسية الدور الأكبر في انتصار الجيوش وتفتيت الأعداء والقضاء على معنوياتهم وتحطيم قوتهم .
وفي الإسلام فان هذا المبدأ هو أساس الاستراتيجية القتالية الاسلامية وذلك لأهميته وقيمته في تحقيق النصر .
وقد أدرك الرسول القائد محمد (صلى الله عليه وسلم) ببصيرته الثاقبة أن المعنويات عنصر هام لابد منه حيث قال (صلى الله عليه وسلم)  ": جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم ألسنتكم " .
وهنا بيان لأهمية الحرب النفسية والتي تشن بواسطة وسائل الإعلام المختلفة .
 وقال (صلى الله عليه وسلم) :"إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ".
 وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول لحسان بن ثابت :" ... إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان " .
وعندما ألقى عبد الله بن رواحه قصيدة بين يدي الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال:" خل عنه يا عمر ،  فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل"  .
 يتضح مما سبق أهميه الحرب النفسية وهذا ما أثبتته التجارب والخبرات العسكرية وفنون العلم العسكري على مدار الزمن.
 وتزداد أهميه الحرب النفسية عندما يتم شنها قبل بداية الحرب لأنها تؤدي إلى إضعاف القوة وتفتيت التماسك بين الصفوف وإضعاف الإرادة القتالية لدى الخصم ، مما يسهم بتحقيق الانتصار بسرعة وسهولة.
وفي العصر الحديث فإن الحرب النفسية تتصدر المكانة الأولى بين الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها القوات في المعركة .
وفي الاستراتيجية الاسلامية  فقد احتلت الحرب النفسية أهميه كبرى في تحقيق النصر وقد نجح المسلمون نجاحا عظيما في تطبيق هذا المبدأ.
 حيث نجح الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تفتيت التماسك المعنوي والنفسي لقريش في فتح مكة وحقق النصر دون ان يريق قطرة دم واحدة ودخل مكة مرفوع الهامة  عزيزا مكبرا .
وكذلك الحال عندما حقق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام النصر في تبوك عندما قال:" نصرت بالرعب " .
 قال ابن هشام يروي قصه فتح حصون خيبر عن انس بن مالك :" واستقبلنا عمال خيبر غادين قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا رسول الله (عليه الصلاة والسلام)  والجيش ، قالوا محمد والخميس(أي الجيش) وأدبروا هربا ، فقال رسول الله : الله اكبر خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ".
وقد أدرك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)أن ثبات القائد ورباطه جأشه هي عامل نفسي  هام في إثبات والنصر وإن موقفه في حنين هو خير دليل على ذلك ،عندما فر الجيش ولم يبق حوله أحد حيث صاح بالقوم وقال يا معشر الأنصار : فقالوا لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك وهو على بغله بيضاء فنزل فقال :" أنا عبد الله ورسوله.
 ويقول المقوقس عن وفد المسلمين المفاوض :" لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتالهم احد " .
هذا وقد بينت العلوم العسكرية أهميه الحرب النفسية ودورها في تحقيق النصر وتفتيت قوة العدو .
 حيث يقول الجنرال الألماني رومل:" إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل أبدانهم " .
ويقول تشرتشل:" كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ " .
 واليوم تدرس الحرب النفسية كجزء هام من الأساليب الاستراتيجيه التي لأغنى عنها للقوات المسلحة في المدارس العسكرية المختلفة وتدخل في إطار العقائد العسكرية الشرقية والغربية .

2. الحرب السلمية :
   يسمي الخبراء العسكريون  "الحرب السلمية" بــــ "الحرب العادلة" والتي يكون الغرض منها هو تحقيق السلم واحترام حياة وأملاك الأبرياء وحسن معامله الأسرى والرهائن.
والحرب في الإسلام لم تكن يوما إلا من أجل ذلك الهدف السامي وهو تحقيق السلم لأن الحرب في الإسلام في الأصل حرب دفاعية لا يبدأها المسلمون، وغايتها حماية حرية العقيدة وتأمين حرية انتشارها بين الناس ورد العدوان ليس إلا.
 ولم تكن غايتها الاعتداء وترويع الآمنين .
 إن الحرب في الإسلام  كفاح شرف لا يلجأ فيه المقاتلون إلى القيام بأي عمل يتنافى مع الأخلاق ومع الشرف.
 ففيها احترام للعهد والميثاق وصدق بالوعد والوعيد حيث كان المسلمون يوفون بعهدهم والتزاماتهم للأطراف الأخرى التي يدخلون معها في عهد أو ميثاق .
إن الحرب في الإسلام ليس فيها خيانة أو تمثيل بالقتلى أو إساءه لجرحى أو ترويع للآمنين ،قال تعالى:" وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم * ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين "  .
وحتى الحرب في الإسلام فيها الرحمة والعفو والصفح،  قال تعالى :" وان جنحوا للسلم فاجنح لها" .
وان موقف النبي (صلى الله عليه وسلم) في فتح مكة لهو دليل على ذلك حيث قال لأشد الناس عداوة له  :" اذهبوا فانتم الطلقاء ، وان لا تثريب عليكم اليوم "، فحولهم بعبقريته من أعداء إلى جند مخلصين .
كذلك فان الحرب في الإسلام ليس فيها اكراه أو إجبار على اعتناق الدين،حيث يقول تعالى :" لا اكراة في الدين " .
وها هو الرسول القائد يوصي جنده المتوجهين للقتال بقوله :"اغزوا باسم الله وفي سبيل الله تقاتلون من كفر بالله ، اغزوا ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا " ،أي رحمه بعد هذا ؟ .
 إنها منهج عسكري متكامل احتاجته الأمم المتمدنة الراقية حين قاتل بعضها بعضا واستعملت ضد بعضها أقوى وأفتك الأسلحة فمات الملايين وتشرد الملايين واغتصب وانتهك عرض الملايين ، انه قول فصل يؤسس  لقانون دولي إنساني قبل القوانين الوضعية بمئات السنين.
فالقتال في الإسلام ليس غاية ولم يكن كذلك يوماً، والدليل على ذلك هو ما يقوله ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وسلم) :"حيث يقول:"ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما حتى دعاهم ".
 وقد سار الصحابة الكرام على ذات النهج العظيم.
 فأبو بكر الصديق يوصي قائد جنده وهو يستعد لخروج للقتال ، فيقول له :" إذا سرت فلا تعنف أصحابك في السير ولا تغضبهم ، وشاور ذوي الآراء منهم ، واستعمل العدل وباعد عنك الجور ، فانه ما افلح قوم ظلموا وألا نصروا على عدوهم ، وإذا نصرتم فلا تقتلوا شيخا ولا امرأة ولا طفلا " ، "ولا تحرقوا زرعا ولا تقطعوا شجرا ولا تذبحوا بهيمة  إلا ما يلزمكم للأكل  ولا تغدروا اذا هادنتم ولا تنقضوا إذا صالحتم وستمرون على أقوام في الصوامع رهبان ترهبوا لله فدعوهم وما انفردوا اليه وارتضوه لأنفسهم ، ولا تهدموا صوامعهم ولا تقتلوهم ، والسلام " .
 وهذا ما سار عليه الخليفة العادل عمر بن الخطاب الذي أوصى سعد بن أبي وقاص عندما وجهه إلى بلاد فارس ليفتحها قائلا:
" أما بعد فاني أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى اله في كل حال فان تقوى الله أفضل العدة على العدو وأقوى المكيدة في الحرب ، وان تكون أنت ومن معك اشد احتراسا من المعاصي من عدوكم ، فان ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم وإنما ينصر المسمون بمعصية عدوهم له ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة،  لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإن لم ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقولنا ،
واعلموا أن عليكم في سيركم حفظه من الله يعلمون ما تفعلون فاستحيوا منهم ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله ،واسألوا الله العون على أنفسكم  كما تسألونه النصر على عدوكم، وأقم بمن معك في كل جمعه يوما وليلة حتى تكون لهم راحة يريحون بها أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ، وأبعد منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق به ".
وإني أجد هذه الوصية غاية في العلم والفهم، وجدير بالمناهج العسكرية أن يحفظوها ويتعلموها ويطبقوها.
المصادر والمراجع:
- سعيد حوى ، الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج1 ، 1971.
- عبد الله العتوم ، مبادئ الإستراتيجية الإسلامية ، مجلة الكلية العسكرية الملكية ، السنة 1985.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
-مجلة الكلية العسكرية ، العدد 19 ، 1982، ص 30 -32.
-مجلة الأقصى، العدد 764،  آذار  1986
- صحيح ابن حبان ج 11.
- مستدرك الحاكم ، ج 1 .

No comments :

Post a Comment