Wednesday, December 16, 2015

مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية (3) (الانضباط العسكري و حشد القوى والاستعداد المادي)



مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية (3) (الانضباط العسكري و حشد القوى والاستعداد المادي):
ما زلنا في بيان الاسترتيجية العسكرية الحربية الاسلامية التي سبقت  الاسترتيجية العسكرية الآن، وذلك بما انطوت عليه من مفاهيم وخطط وتعاليم قامت على العلم الدقيق والمعرفة الشاملة والواقع المعاش والايمان الراسخ والنظرة الثاقبة.
ومن  مبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية الاسلامية:

1. الانضباط العسكري:
 إن من أهم أسباب تفوق ونجاح الخطط العسكرية الحربية هو مدى التزام الجند بالأوامر والتعليمات الصادرة إليهم وخاصة عندما يشتد القتال وتزداد ضراوة المعركة.

 وفي الإسلام فان الانضباط الذي بلغه جند الإسلام لم يبلغه قبلهم احد، وعبقرية القائد تظهر بمدى التزام جنده وانضباطهم، حيث يقول سعيد حوى:"   ..... لذلك فان ثمانين بالمئة من عبقرية القيادة العسكرية تظهر في انضباط جندها معها في اللحظة الحاسمة ".  

 وان موقف الصحابه والتزامهم وانضباطهم عندما أمرهم الرسول(صلى الله عليه وسلم) بمقاطعه النفر الثلاثة الذين تخلفوا عن المسير إلى القتال في تبوك  - حتى من أقرب الناس إليهم  -، لهو دليل قاطع لا شك فيه على الانضباطية العالية  والالتزام .

وما هذه الانتصارات العظيمة التي حققها جند الإسلام على إمبراطوريه فارس وروما إلا نتاج الالتزام واحترام الأوامر والتعليمات .
وقد اثبت للمسلمين – في غزوة أحد - بأن إخلالهم بالأوامر التي تعطى لهم من قائدهم نتيجتها الفشل والتفتت والخسران ،وأدرك المسلمون بعدها بأن تنفيذ الأوامر هو الضبط العسكري الذي يعتبر روح الجندية والسبب المباشر لكل انتصار .

وان ما قام به جيش المسلمين  من استعراض أمام أبو سفيان يوم فتح مكة إنما هو دليل  على انضباطية عالية تستخدمها الجيوش الحديثة أثناء  الاستعراضات العسكرية التي تهدف من خلالها إيصال رسالة معينه إلى طرف أخر ،مما أصاب  أبو  سفيان  بالانبهار والدهشة والذعر  ودفعه للقول :"ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقه والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما " .

 والإسلام بتعاليمه العظيمة وفرائضه الجليلة  التي يطبقها المسلم  ،إنما هي عمليه تدريب عملي على الانضباط والطاعة والنظام .
 فوقوف المسلم في الصلاة منتظم الصف خمس مرات في اليوم يجعله يشعر بالانضباط والنظام.
 وان أدائه لمناسك الحج هو تدريب واقعي على الطاعة والالتزام والانضباط.
وكذلك الحال في الصيام الذي يعتبر مدرسة عظيمة في الانضباط والطاعة والنظام .
وكذلك الأمر في أداء الزكاة لهو أمر غاية في الانضباط والطاعة للأمر الذي يحبه الإنسان وهو المال بأداء ما افترض عليه من زكاة.

وأثبتت الحرب الحديثة والتي أصبحت تستخدم فيها الأسلحة المتطورة والطيران والقذائف والصواريخ التي ترمى من مسافات بعيدة بأن الانضباط أصبح ضرورة لكل فرد بشكل مستقل وليس للجماعة مجتمعه فقط ،وذلك لأن الجندي قد يواجه موقفا صعبا بشكل منفرد يفرض عليه أن يؤدي واجبه دون أن يكون عليه رقيب أو حسيب ،ذلك لأن عملية مراقبة القائد لجنوده بشكل فردي ومباشر أصبحت صعبة بل مستحيلة ، لذا فان توليد الشعور الذاتي بالانضباط لدى الجنود دون مراقبه ، هو الأساس في بناء الحالة العقلية التي تجعل هذا الأمر غريزيا.

     وقد أجمع علماء النفس والخبراء العسكريون بأن الانضباط الذي يكون في غياب القائد وغياب الأوامر هو الانضباط الذي يجب أن يتحلى به العسكريين في الحرب الحديثة .

2. حشد القوى والاستعداد المادي:
  إنه من المبادئ العسكرية الهامة التي تدرس في العلوم العسكرية والتي لا يمكن لأي جيش أن ينجح في أي عمليه عسكريه مهما كان حجمها بدونه هو حشد القوى والاستعداد المادي.

 إن حشد الإمكانيات والطاقات المتوفرة للأمة سواء كانت بشرية أو اقتصادية أو معنوية هو جماع الأمر كله في نجاح او فشل العمل الذي تنوي القوات المسلحة القيام به،ونجاح القائد يكمن في كيفيه استخدام هذه القوى واللحظة المناسبة لاستخدامها .

 وهذا ما قام به النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ بدء الدعوة حيث أخذ يدعو الناس إلى توحيد الله وجمع صفوفهم وتوحيدها وتقديم مصلحه الأمة على المصالح الفردية الخاصة .
 حيث عرض الدين الجديد على أقرب الناس إليه من أهل بيته وأصدقائه وأقاربه حيث حشد النواة الأولى لهذا الدين ، مستجيبا لنداء ربه :" وانذر عشيرتك الأقربين "  
 ثم بدا  يحشد كل الإمكانيات والطاقات المتوفرة في الأمة لخدمه أهدافها السامية –وذلك وفقا لما خوله إياه الشارع العظيم - .
 وقد ضرب في ذلك أروع الأمثلة ، حيث كان المسلمون يتبرعون ويحشدون كل ما  يملكون لخدمه أهداف العملية التي ينوون القيام بها ، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يستخدم منها إلا الحد الأدنى الذي يحقق الهدف بأقل الخسائر وأسرع الأوقات بعيدا عن التهور والتسرع وهذا هو أسلوب القائد العبقري الناجح المتبصر . 

ولنا في فتح مكة خير مثال على ذلك ،حيث كانت كل الظروف مهيأة أمام المسلمين لتحقيق النصر العسكري الساحق على قريش، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) لم يشاء إلا أن يجعل من هذا الفتح وسيله للتأليف بين القلوب وزرع المحبة والوفاق بدل الخصام والانتقام بين الناس مما ساهم في استماله القلوب نحو الإسلام  ، رغم انه حشد قوات كبيرة وكثيرة العدد يستطيع بها أن يحطم قوة قريش إلى الأبد .

وكذلك فعل (صلى الله عليه وسلم) في غزوة تبوك باستخدامه الحد الأدنى من الحشد المتوفر .   

وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يستعمل اسلوب حشد القوى والطاقات واستنفار كل امكانيات الأمة  مستخدما ما يسمى "بالحرب الاجماعية " والتي تعني :" تحشيد كافه قوى ألامه – وليس الجيش وحدة – المادية والمعنوية والعقلية للإغراض الحربية .".
  وحرب المسلمين الاجماعيه كانت غايتها نشر الإسلام وتوطيد أركانه فهي حرب الفروسية الشريفة .

وقد طبق ذلك في مواقف كثيرة أهمها غزوة تبوك ، حيث انه كان (صلى الله عليه وسلم) يحض اهل الغنى على النفقه ، فحمل رجال من اهل الغنى واحتسبوا ، وانفق عثمان بن عفان ( رضي الله عنه) ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها وعدتها وألف دينار ".   

ولكن يكون النجاح بهذه الحالة باختيار الهدف  الحساس المناسب الذي يسبب الشلل للعدو ويضعف قوته ، وهذا ما استخدمه النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما حاصر الكفار من قريش وغيرهم المدينة المنورة ووجد أن أسهل وأفضل وسيله لضرب الأحزاب المتعاونة ضده هو بزرع بذور الشك بينها وكذلك بتوجيه الضغوط النفسية على اليهود مما حطم كيانهم وأنهى التعاون الذي كان قائما بينهم .  

وسار الصحابة عليهم رضوان الله على نفس المسار فيما يتعلق بتطبيق هذا المبدأ  بعملياتهم العسكرية التي قاموا بها بعد النبي (صلى الله عليه وسلم).

 حيث طبقه أبو بكر في فتح العراق وفتح الشام حيث كان يعتمد في بداية الأمر على نجوعه منتقاة من الجيش ثم يمد قادته بما يحتاجون من الرجال والعتاد حيث كان يقول لهم :" فانه ليس يأتيهم  - أي الروم – مدد إلا  أمددناكم بمثله او ضعفه " ، وهذا يدل دلاله لا لبس فيها على أنه كان  يحشد في الاحتياط الكثير من العدد والعدة .

وتوسع نظام حشد القوى وتطور في عهد عمر بن الخطاب مع تطور الدولة الاسلامية وتوسع نشاطاتها العسكرية حيث وصلت الأمور إلى إعلان التعبئة العامة  -  النفير – في الدولة الاسلامية عندما كان يستدعي الأمر ذلك. 

والمستعرض للتاريخ الإسلامي يجد أن كثير من قادة المسلمين استخدموا هذا المبدأ (حشد القوى ) وطبقوه خير تطبيق .

فالملك المظفر(قطز) وقبل معركة عين جالوت بدأ بتهيئه الأمة للقتال وتجنيد كل طاقاتها وإمكانياتها المادية والمعنوية  لمواجهه العدو ، حيث يذكر التاريخ أن الملك المظفر قد فرض على كل فرد من أهل مصر ذكرا  كان ام أنثى دينارا واحدا وأخذ من أجرة الأملاك والأوقاف شهرا واحدا ، وأخذ من أغنياء الناس زكاة أموالهم مقدما،وأخذ من الطبقة الغنية ثلث أموالهم واخذ على الغيطان والسواقي أجرة شهر ، ..."، وذلك بعد ان طبق هذا على نفسه وأهله وحاشيته وقادته.

وكذلك فعل الكثير من قادة المسلمين على مر العصور بمختلف البقاع.
مما يؤدي إلى القول بأن الانتباه لمثل هذه الاعمال الدقيقة والحالات المتنوعة وتطبيقها في حاضرنا ضد أعدائنا يدفعنا للنصر دفعا ويجعلنا منتصرين ، ولكن جنوح الطبقة الحاكمة ومن يتبعها للابتعاد عن الاسلام ومحاربته ومحاصرته سيجعلهم دائما في ذل أمام العدو وفي جبن واستخذاء، ويقدمون فروض الطاعة بمختلف أشكالها المتفقة على محاربة الإسلام، وهذا لهو ذل ما بعده ذل، وضعف ما بعده ضعف.

المصادر والمراجع:
- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- محمد بن عبد الوهاب ، مختصر سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) منشورات وزارة الاوقاف السعوديه ، 1418هـ.
-زكريا مطلك الدوري ، الإدارة الإستراتيجية ، مفاهيم وعمليات وحالات دراسية ، دار اليازوري ، عمان ، 2005.
- عبد الله العتوم ، مبادئ الإستراتيجية الإسلامية ، مجلة الكلية العسكرية الملكية ، السنة 1985.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.

No comments :

Post a Comment