Wednesday, December 30, 2015

مبادئ الحرب (القتال ) التي طبقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم -1-



مبادئ الحرب (القتال ) التي طبقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم -1-:

لاشك أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قائدا عسكريا وإداريا فذا ،والشواهد على ذلك كثيرة وواضحة للعيان ، ولعل  ما سردناه من حقائق في التدوينات السابقة يبين جزءا من عبقرية القيادة التي كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يتمتع بها .

ولا شك أيضا ان للقتال فنون وأساليب ومبادئ وطرائق ، فالعسكري الذي مارس القيادة العسكرية  يعرف هذة الحقيقة.

إن القتال يحتاج إلى الذكاء والفطنة والنباهة ورجاحة العقل والإدراك وبعد النظر والفهم العملي والعلمي للوقائع والإمكانيات الموجودة إضافة إلى معرفة الرجال والمكان والزمان معرفة مفصلة تؤدي إلى تحقيق الأهداف والنجاح في العمليات المنوي تحقيقها .

أما مبادئ الحرب فهي حقائق أساسية تؤثر على كيفية تنفيذ القتال وهي: مجموعة من الآراء والأفكار المنطقية والتي جاءت كنتيجة لتجارب القادة الفعلية في الحروب والمعارك التي خاضوها؛ وهي مترابطة ومتشابكة مع بعضها البعض؛ وتشكل مجتمعة الأسس التي تبنى عليها العمليات القتالية.

وقد عرفها اللواء الركن محمود شيت خطاب بأنها :" الجوهر الذي ينشئ في القائد السجية الصحيحة في تصرفاته في الحرب،وهي العنصر الذي يتكون منه مسلك القائد في أعماله بصورة طبيعية وغير متكلفه ".

 و قد استخدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم مبادئاً في حروبه ومعاركه درسها القادة المحدثون في هذا العصر، وعرفوا قيمتها وأدركوا أهميتها؛ بل إنهم سعوا إلى تطبيقها في حروبهم ومعاركهم واقتدوا بها لإدراكهم انها طريق النصر وتحقيق الأهداف.

ومن أعظم المبادئ التي طبقها النبي النبي محمد صلى الله عليه وسلم في الحرب ما يلي:

1.القيادة المثالية :

لاشك أن القائد هو أساس المعركة وهو السبب  الأول في النجاح او الخسارة ،وقد رأينا فيما سبق  في التدوينات كيف مارس النبي محمد صلى الله عليه وسلم القيادة بأبهى صورها.

فقد تجلت قيادته بكل مقومات النجاح المطلوبة إذ تراوحت مابين الحزم والقوة وبعد النظر والشورى والعطف والرحمة و بين احترام الرأي الآخر و بين الشجاعة والإقدام والنظام والضبط والمعنويات العالية و بين العقيدة الراسخة والثقة المطلقة بالله وبجنده، والصبر وبعد النظر والمحبة المتبادلة بين القائد والجنود .....إلى غيرها من مقومات القيادة المثالية التي لم يسجل عليها نقطه سوداء واحدة في حياتها، حتى أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يلقب بالصادق الأمين من قومه الذين حاربوه قبل وبعد بعثته ودعوته للإسلام.

ويكفي أن يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء،فها هو (وليام مايور ) يقول عنه :

" .. ينسب إلى محمد في شبابه  من سيرة التواضع والاحتشام وطهارة الخلق على صورة نادرة بين المكيين ،.... لم يولع محمد بالثراء أبدا ، كانت حياته لا سيما في فجرها المبكر تتميز بالحنو والعطف على اليتيم والفقير والأرامل والبائس والضعيف والرقيق ولم يذق الخمر أبدا ولم يلعب الميسر .....".

 بل يكفي في النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مدح الله له وثناؤه عليه في قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم ".

إن قيادةً بهذه الخصائص وهذه الصفات لهي جديرة بالثقة والاحترام من قبل المرؤوسين والأتباع،وهذا ما كان؛حيث كان جند الإسلام يُفدُونَ قائدهم وإمامهم بالمهج والأرواح ويتبعونه الى حيث يريد ولسان حالهم يردد: "امض والله لو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك..." .

2.المفاجأة :

إنها من اكبر العوامل الهامة والمؤثرة في الحرب وأكثر ما يتجلى تأثيرها على المعنويات لأنها تسبب إرباك والدهشة للعدو.

والمفاجأة قد تكون بالزمان أو المكان أو التكتيك أو السلاح ....الى غيرها من أناوع المفاجآت الذي تستخدمها القوات.

ان نتائج المفاجأة الناجحة ستكون عظيمة على العدو لأنها تفقده توازنه وتشتت قواته وجهده.

 وقد طبقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة ؛منها:

-استخدامه المنجنيق والدبابة في حصار الطائف.

المنجنيق هو :"عربه ذات عجلتين في رأسها حلقة او بكرة يمر بها حبل متين في طرفه الأعلى شبكه في هيئه كيس توضع في الشبكة حجارة او مواد محترقة ثم تحرك بواسطة العامود والحبل فيندفع ما وضع بالشبكة من قذائف ويطير إلى الأعلى فيحرق ويدمر ما يسقط عليه " .

أما الدبابة فهي : " آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود تركب على عجلات مستديرة يستطيع المشاة الاحتماء بها من النبال والسهام "

 -وكذلك فان استخدام الرسول(صلى الله عليه وسلم) أسلوب الصف في بدر ،إذ كانت تعبئة جديدة ساعدت على السيطرة وضبط القوات والاحتفاظ باحتياط للطوارئ وفاجأت العدو.

- وكذلك فقد كان حفر الخندق مفاجأة ما بعدها مفاجأة ؛إذ هو أسلوب جديد دخل في أساليب العرب الحربية لأول مرة،وقد كان فكرة من صحابي جليل هو سلمان الفارسي رضي الله عنه ،الذي اعتبرة الرسول النبي محمد صلى الله عليه وسلم من أهل البيت تكريما وتقديرا وتشجيعا لفكره وإبداعه،حيث قال فيه النبي محمد صلى الله عليه وسلم:" سلمان منا أهل البيت"،وفي هذة المقولة الشريفة دروس كثيرة تدل على عظمه هذه الرسالة وهذا الرسول يستنبطها من كان له قلب او ألقى السمع وهو شهيد.

- وكذلك فإن مسير الاقتراب ليلا الذي طبقه المسلمون  في مسيرهم إلى خيبر ووصولهم ليلا إليها دون أن يتمكن اليهود من معرفه وصولهم كان مثلا عظيما على المفاجأة التي حققت أفضل النتائج والانتصارات.

 ان الامثله على المفاجأة في العسكرية الاسلاميه كثيرة ومواقفها عديدة ولكن ذكرنا بعضا منها لنبين كيف طبقها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وما هي ثمراتها.

3.حشد القوة (الجهد) :

إن تجميع القوات الكافية والمناسبة في الزمان والمكان المناسبين هو سبب كاف من أسباب التغلب والانتصار على العدو،وقد طبقه المسلمون في كل معاركهم وغزواتهم تقريبا.

- فقد طبقه النبي محمد صلى الله عليه وسلم في فتح مكة عندما جمع حشدا كبيرا من العرب الذين شكلوا أساس الدولة الإسلامية المتينة حيث تشكلت قوة المسلمين من المهاجرين والأنصار وقبيلة سليم ومزينه وتميم وأسد وغفار وجهينة وقيس  وغطفان وعدد كبير من قبائل العرب زاد عددهم على عشرة ألاف مقاتل،ولقد كان للاستخدام المناسب لهذه القوات أكبر الأثر في تحقيق النصر العظيم بفتح مكة بكل كبرياء وعظمه وعزة واستسلمت قريش وهي صاغرة لهذه القوة العظيمة ودخل الناس في دين الله أفواجا .

4.الاقتصاد بالجهد:

إن ظروف الحرب أحيانا تفرض على القائد استخدام القوة والموارد المتوفرة لديه بحذر وبعناية فائقة واستخدامها في الزمان والمكان المناسبين ،لأن الإسراف والتبذير يؤديان الى تشتيت وبعثرة الجهود وبالتالي الخسارة المادية والمعنوية .

وقد نبذ الإسلام الإسراف والتبذير ودعا إلى الاقتصاد في كل شيء حيث يقول النبي محمد صلى الله عليه وسلم:" ما عال-افتقر- من اقتصد " ، وكذلك يقول:"الاقتصاد نصف المعيشة " ،وأيضا :"كلوا واشربوا في غير إسراف ولا مخيلة ".

وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يستخدم ما يتوفر له من قوة ماديه ومعنوية – خاصة في الحرب – بكل تدبير وحكمه واقتصاد.

كما فعل في حفر الخندق وغزوة بدر وفتح مكة وغزوة تبوك.

5.الأمن :

اعتمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرا على هذا المبدأ وذلك لأهميته في إخفاء القصد والنية عن العدو مما يحقق المباغتة والمفاجأة ويشتت القوات المعادية ويبعثر جهودها مهما بلغت من القوة.

ويعتبر الأمن العمود الفقري لمبادئ الاستراتيجية العسكرية الحربية النبوية،وقد اهتمت الجيوش الحديثة بهذا المبدأ كثيرا حيث جعلت للاستخبارات والاستطلاع إدارات مستقلة مدعومة بأفضل الإمكانيات المادية والمعنوية والطاقات البشرية الكفؤة والمؤهلة.

ولعل مسير جيش الإسلام الفاتح العرمرم الى مكة ووصوله الى ضواحيها دون ان يشعر به أهل مكة لهو خير دليل على حرص النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجنده على الأمن وإخفاء القصد والنية.

 وقد استخدم المسلمون ما يسمى بدوريات الاستطلاع من أجل الحصول على المعلومات عن العدو والتي كان لها أكبر الأثر في تحقيق النصر في معارك كثيرة ولعل معركة بدر خير مثال على ذلك، إذ أرسل النبي محمد صلى الله عليه وسلم رجالا يحصون عدد الجيش وعدتهم، وكذلك فعل في غزوات أخرى.

المصادر والمراجع:
- محمود شيت خطاب ، الرسول القائد، منشورات مكتبة دار الحياة ،بيروت ، ط2، 1960.
- أحمد بن عثمان المزيد ، هدي محمد (صلى الله عليه وسلم ) في عباداته ومعاملاته وأخلاقه ،دار الوطن للنشر ،الرياض ، 2006.
- سعيد حوى ، الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ج1 ، 1971.
- محمد جمال الدين محفوظ ، المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية ألعسكريه الإسلامية ، الدار ألمصريه للكتاب ، القاهرة ، 1976.
- فهمي القدومي ، تنظيم القيادة في عهد الرسول ، مجله الاقصى ، العدد 773، تاريخ 1/12/1986.

No comments :

Post a Comment