Monday, January 1, 2018

المساواة الإجتماعية



المساواة الإجتماعية :
     المساواة تعنى : المماثلة والمتشابة فى القدر والقيمة , فالمساواة بين إثنين تعنى أن لهم نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات , ولا فرق بينهم , وعكسها الظلم والإستبداد .
     فالمساواة الإجتماعية من أهم المبادئ التى ينادى بها الإجتماعيين والتربويين فهى القاعدة التى تحفظ للبشر حقوقهم , فمن يريد التميز فى ظل مجتمع تغيب فيه المساواة ويسوده التمييز الطبقى والنعصب العرقى فلن يجد النور , لان مثل هذا المجتمع تُقتل فيه المواهب وتضعف فيه القدرات , فالظلم الإجتماعى يؤثر تأثيراً كبيراً على سلوك وأخلاق أفراد المجتمع , فالمجتمع الذى تغيب فيه المساواة الإجتماعية , ويعلوه الظلم ويسوده القهر والإستبداد لفئة دون فئة, يُنشأ أفراد يتسمون بالجبن , والإستهتار واللامبالاة وعدم الإنتماء , لانهم لم يحصلوا على حقوقهم ولم يتلقوا فرصتهم , فقُتلت بداخلهم المواهب والقدرات الشخصية , وتاهت الطموحات , وكل هذا مبرر كاف لإنتشار الرذائل فى هذا المجتمع .
     ومن ثم جاء الإسلام فى أُمة تتسم بالتعدد الطبقى , سادة , وفقراء , ونساء وعبيد , ويسود الظلم بين هذه الطبقات , فالحقوق كلها موكولة إلى طبقة السادة , أما الفقراء فلا حق لهم سوى دريهمات معدودة نظير خدمتهم للطبقة الأولى , والعبيد لايملكون أى حقوق فهم ملك لسيدهم يحق له التصرف فيهم كيفما شاء , ولايخفى على أحد موقف المرأة فى العصر الجاهلى , وكان العرب مع ذلك يرون أنهم أكمل شعب على الإطلاق وأن بقية الشعوب التى سموها بالأعاجم , هى شعوب وضيعة ناقصة .
     ولما قام المجتمع الإسلامى , أزال التعدد الطبقى , وألغى الفوارق الإجتماعية وساوى بين الناس جميعاً , قال تعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ", فالتكريم حاصل لجميع البشر , فجنس الإنسان مكرم عند الله فلا تفرقة بين قبيلة وآخرى , ولا بين جنس وآخر , ولا سلالة وآخرى , ولا فرق على أساس اللون أو الجاه أو اللغة فالكل سواء , فلا يترك الإسلام لجماعة أن تستعلى وتترفع على جماعة آخرى , قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ", فالأصل واحد وهو آدم عليه السلام .
     ومن مظاهر المساواه فى الإسلام , تحقيق العدل مع كل الطبقات والأشخاص قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ".
     وروت عائشة : أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التى سرقت فقالوا : من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا : ومن يجترئ عليه إلا أُسامة بن زيد حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتشفع فى حد من حدود الله ؟ " ثم قام فاختتطب ثم قال : " إنما أُهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ".
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن المساواة والعدل حتى ولو أدى إلى قطع يد ابته , فالكل فى الثواب والعقاب سواء ؛ لافضل لمخزومى على أعرابى .
     ومن مظاهرها أيضاً , المساواة فى الحقوق الواجبة عليهم تبعاً لقدراتهم وإستطاعتهم قال تعالى : " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا * وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا ".
     بذلك نرى أن الإسلام أتاح للجميع نفس الفرص ونفس الظروف , فما هو معيار التفاضل فى الإسلام ؟ وهل يستوى من جد وإجتهد مع من تبلد وركن إلى هواه وشهواته ؟ بل من أوضح مظاهر المساواة أن وضع الإسلام للتفاضل بين الناس , لا يجرى فيما لايملكه الإنسان كالخلق والتكوين , وإنما يندرج ضمن قدراته وإستعداداته , كأداء العبادات وفعل الخيرات وطاعة الله ورسوله فكلها أعمال يستطيع كل إنسان القيام بها , فوجه التفاضل فيها بحسب أداء كل شخص لها , قال تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ".
     كما حث القرآن الجميع على التسارع والتسابق فى فعل الخيرات , لينال كل منهم جزائه على حسب عمله وأدائه , قال تعالى : " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ", وقال تعالى : " سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ", وقال تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ".
     فهكذا مع المساواة والعدالة الإجتماعية أتيحت الفرص أمام الصحابة جميعاً فظهر تفوقهم ونبوغهم , كلاً حسب إمكاناته وقدراته , فتولى بلال المولى الحبشى الاسود مهمة الأذان لانه الاندى صوتاً , وتولى زيد بن حارثة قيادة الجيش فى مؤتة لانه الأصلح , ثم تولى من بعده إبنه أُسامة قيادة الجيش فى تبوك ولم يتجاوز سنه السابعة عشر لانه الأجدر بالمهمه , ولما طلب أبو ذر الإمارة رده النبى صلى الله عليه وسلم لأنها أمانة وليس كفؤ لها , وعزل أبو بكر أمين الأمة أبو عبيده وولى خالداً لان له فطنة فى الحرب ليست فى أبى عبيده , وكان منهم الإقتصادى الذى يسيل المال الحلال بين يديه كالماء مثل عبد الرحمن بن عوف , وعثمان إبن عفان , وكان منهم القائد الفذ الذى تدرس أفكاره وخططه حتى الآن مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص , وكان منهم الإدارى العبقرى مثل عمر بن الخطاب , وهكذا نبغوا وتفوقوا فى جميع المجالات .
     لذلك وجب علينا أن ننشر العدل والمساواة فيما بيننا , وقد أوضحنا خطورة الظلم على المجتمع عامة , فكل من ولاه الله أمراً مهما كان حجمه فليتق الله ولينشر العدل فيه فالوالد فى بيته , والمعلم فى فصله والمدير فى إدارته والموظف فى مكتبه , وهكذا فى كل الأوساط , حتى تتاح الفرص أمام الجميع وينتشر الخير ويعم الرخاء .
     وما الارهاب وغيره من الجرائم الإجتماعية , إلا نتيجة للظلم الإجتماعى والتمييز بين الأفراد بنائاً على معايير آثمة ظالمة , حيث ينشأ الصغير فى أسرة تفضل أحد أبنائها على غيره لصغر سن الآخر أو لجمال سمته , فيشعر معه بالقهر والإحباط , وبعد دخول المدرسة , يجد مُدرسه يهتم بأحد الأولاد ويوليه رعاية وإهتمام أكثر من غيره من الأولاد إما لانه إبن لزميل له , أو يأخذ معه درس خصوصى أو أنه إبن شخص لامع إجتماعياً , كما يجد أن من هو أقل منه تحصيلاً علمياً تفوق عليه فى الدرجات بسبب الغش , وبعد أن يتم تعليمه الثانوى ويلتحق بالجامعة , يجد أن الفرصة الوحيدة للعمل بالجامعة والترقى فى الدرجات العلمية والوظيفيه لابد أن يكون إبناً لاحد الأساتذة الموجودين بكليتة , وبعد ان يتخرج هذا الشاب , لايجد أمامه من فرص العمل إلا بعض الاعمال الدنيوية التى ليست لها علاقة بمجال تخصصه الدراسى فى حين أن الوظائف المرموقة قاصرة على من لديهم المال أو المنصب " الجنيه أو الكارنيه " , وهذا هو التعبير السائد بين الشباب .
 وإذا تغلب الشاب على كل هذه المعوقات وأراد أن يٌكِّون أسرة وجد أمامه عدة عراقيل ومسبطات منها أن التسهيلات والمشاريع التى تقوم بها الدولة للشباب من أجل الحصول على سكن لا ينالها إلا أصحاب النفوذ , بالإضافة إلى غلاء الأسعار وإرتفاع المهور ......, فبالله عليكم ماذا سيكون مثل هذا الشاب ؟ يصبح مثل هذا الشاب أمام أعداء الدين والوطن فيسهل عليهم توظيفه لمصالحهم وأهدافهم .
     فإذا كنا نريد مجتمعاً إسلامياً كمجتمع الصحابة , علينا أن نرسخ مفهوم المساواة فى أذهان أبنائنا قولاً وعملاً , ونكون لهم خير قدوة , ويجب ألا ننس هذه المقولة : " إن الله يقيم الدولة الكافرة مع العدل , ولا يقيم الدولة المسلمة مع الظلم " .

No comments :

Post a Comment