Monday, January 1, 2018

الإخاء



الإخاء :
     بعد أن سرب الإسلام الطمأنينة إلى أفراد المجتمع بإشاعة المساواه بينهم وإقامة العدل فيهم وجعل التفوق والتميز نظير العمل فمن آمن وصدق قوله عمله وسلم الناس من غوائله ليس كغيره , ومن جد واجتهد فى طلب العلم ليس كغيره عند الله , قال تعالى :" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ", حينئذ إستقرت النفوس وإطمأنت القلوب وإهتدت العقول .
ومع ذلك فكان لابد من ربط أبناء المجتمع المسلم , برابطة تعبر عن روح الإسلام فى الوحدة والإجتماع وحرصه على نبذ التعصب والتفرق , رابطة ثابتة مستقرة لاتتغير بتغير الزمن ولا تتأثر بتداخل الثقافات , ليست إشتراكية , ولا رأسمالية ..... وإنما هى رابطة إسلامية ربانية .
     قال تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ".
 والأخوة التى إختارها الإسلام إخوة مبادئ لاأخوة نسب , لأنها أقوى وأوثق من رابطة النسب , فهى التى جمعت بين " صهيب الرومى , وبلال الحبشى , وسلمان الفارسى " وبين أبناء شبه الجزيرة العربية على إختلاف إتجاتهم القبيلية " روم وحبشة وفرس وعرب " , أجناس وأوطان وألوان وعادات ومناهج وطباع وغرائز وإتجاهات , فضلاً عن إختلاف الرؤى التى ينظر كل طرف من خلالها إلى الآخر , بين " الفرس و الروم " عداء منقطع النظير , و الفرس والروم ينظرون إلى العرب نظرة إستقلال فهم يرون أن العرب " بدو همج " , لايستطيع أحد العيش معهم , فلم تحاول دولة واحدة منهم غزو العرب رغم سهولة ذلك , وفى الإتجاه الآخر نرى العرب أنفسهم يظنون أنهم خير الأجناس , وأن لهم السيادة على البشر .
     رغم كل هذه العوائق والتى يستحيل أن يقضى عليها ويمحى أثرها إلا الأخوة الإيمانية تلك الرابطة التى أزالت ومحت الفوارق العنصرية والعرفية , فلا " أبيض وأسود " ولكن " مؤمن وغير مؤمن " فردت الجميع إلى الأصل " آدم وحواء " , فهما الذى جاء منهم البشر جميعاً ومن ثم فكلهم متساوون , وتكون الأخوة بينهم على حسب إدراك كل منهما للدور الذى خلق الله آدم وحواء من أجله وهى عبادة الله وعمارة الأرض .
     وتلك الرابطة إنما هى نعمة من الله وفضل منه , لانها تتعلق بالروح والقلب , وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء , فلا يستطيع أحد أن يشتريها ولا يأتى بمثلها , قال تعالى : " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ".
     وقد تفوقت هذه الأخوة على أخوة النسب , بحيث لانسب ولاقرابة أمام الأخوة الإيمانية , فهذا أبو بكر الصديق
     ومن هنا يقول أنه لن تقوم الأمة الإسلامية , وتعود إلى ريادته ومكانتها التى كانت عليها , ولن تكون لها منعه وقوة علمية وحربية وإقتصادية وفكرية وتجارية و...... إلا بالعودة إلى الأخوة الإسلامية والإنضواء تحت رايتها , فضلاً عن إدراكنا أن ما شاع بين المسلمين من نزاعات وقوميات وحدود وجنسيات إنما هى دعاوى هدم لا إصلاح , دعاوى تفريق وتشتيت لا تلاحم وترابط قام بها أعداء الإنسانية لبعثرة وحدتها وضياع هيبتها .
    وقد جعل الإسلام لهذه الأخوة مقومات تفضى إلى المحبة والوحدة وتبيد وتمنع كل عوامل النزاع والكره , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "      
     المقصود من الإخاء فى هذا الباب هو أن يتأخى مجموعة من الناس فى العقيدة , قال تعالى : " وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  " .
كان الصحابة قبل الإسلام عبارة عن قبائل متناحرة متنازعة , فقد كان بين الانصار " الاوس والخزرج " حروب طويلة دامت لسنوات عديدة , وكانوا يحملون لبعضهم البعض من الكره والبغض ما يستحيل معه زواله لو كان على يد بشر , إلا أن الإسلام أخى بين الجميع أوس وخزرج , أنصاراً ومهاجرين , قال تعالى : " وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ", وقال تعالى : " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ", وقال تعالى : " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ".
     وقد عمق النبى النبى صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ فى نفوس المسلمين , بجملة من الأقوال والسلوكيات , فقد قال صلى الله عليه وسلم فى حديث بن عمر : " المسلم أخو المسلم لايظلمه ولا يسلمه ومن كان فى حاجه أخيه كان الله فى حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة ".
 ومنه أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث أنس : " أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " فقال رجل : يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره ؟ فقال : " تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره "  .
ومنه ما رواه أبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تهادوا تحابوا". وايضاً عن أنس قال: " يا بني! تبادلوا بينكم ؛ فإنه أودّ لما بينكم".
     وهكذا كان يتعامل المسلمون مع بعضهم البعض على أساس هذا المبدأ, فكان الواحد منهم يسعى إلى مرضاة أخيه , بل ولديه إستعداد إلى أن يضحى بماله بل وبنفسه من أجل أخيه , فكانوا كالجسد الواحد يتألم بعضهم لتألم البعض الأخر , فكانوا خير قدوة وخير مثال فى العلاقات الإجتماعية .

No comments :

Post a Comment