الغيبة :
حرم الله
تعالى الغيبه , وهى ذكر المسلم أخيه بما يكره فى غيابه , قال تعالى : " وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ
يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ", فقد نفر الله تعالى منها أبلغ وأشد تنفير , حيث صور
الذى يغتاب بأنه يأكل لحماً وهذا اللحم ميتاً ليس هذا فحسب إنما هو لحم أخيه ,
والنفوس السليمة تجزع وتنفر من سماعه .
وقد نهى
الرسول صلى الله عليه وسلم عنها أيضاً , فعن أبى هريره – رضى الله عنه – أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما
الغيبه ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم , قال : " ذكرك أخاك بما يكره " قيل
: أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته ,
وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ".
وعن أبى
بكرة – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خطبته يوم النحر بمنى
فى حجه الوداع : " إن دماءكم , وأموالكم ,
وأعراضكم , حرام عليكم كحرمة يومكم هذا , فى شهركم هذا , فى بلدكم هذا , ألا هل
بلغت".
وعن عائشه –
رضى الله عنها – قالت : قلت للنبى صلى
الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا و كذا – قال بعض الرواة – تعنى قصيره – فقال :
" لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " قالت : وحكيت له إنساناً
فقال : " ما أحب أنى حكيت إنساناً وإن لى كذا وكذا " .
والغيبة من
الامراض الخلقية والاجتماعية الخطيره , لها آثارها السلبية على الفرد والجماعة
تورث الهم والغم والحزن , وتسبب الشعور بالقلق وعدم الإرتياح , من قبيل قول
الشاعر:
إذا
ساء فعل المرء ساءت ظنونه***وصدق ما يعتاده من توهم
تفقد الإحترام وتذهب بالهيبة , لانشغال
صاحبها بهفوات الناس وسقطاتهم , كما تنشأ العداوات والأحقاد وثير البغضاء
والكراهية فهى تفرق بين الناس, وتورث
العداوة والشحناء , كما أنها كشف للستور وإظهار للغيوب , وفضح للعيوب , لذلك
فأثارها مدمرة من شأنها أن تقضى على المجتمع وتذهب بريحه , فكان من رحمة الله
علينا أن حرمها وصور حرمتها بأبشع الصور .
ولكن هناك
حالات خاصه تباح فيها الغيبه .
قال الامام
النووى : اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن
الوصول إليه إلا بها ، وهو ستة أسباب :
الأول : التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما
ممن له ولاية ، أو قدرة على إنصافه من ظالمه ، فيقول : ظلمني فلان بكذا .
الثاني : الاستعانة على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته على
إزالة المنكر : فلان يعمل كذا ، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى
إزالة المنكر ، فإن لم يقصد ذلك كان حراما .
الثالث : الاستفتاء ، فيقول للمفتي : ظلمني أبي أو أخي ، أو زوجي ، أو فلان
بكذا فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ، وتحصيل حقي ، ودفع الظلم ؟ ونحو ذلك
، فهذا جائز للحاجة ، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول : ما تقول في رجل أو شخص ، أو
زوج ، كان من أمره كذا ؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ، ومع ذلك ، فالتعيين
جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى .
الرابع : تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم ، وذلك من وجوه :
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين ، بل واجب للحاجة .
ومنها : المشاورة في مصاهرة إنسان أو
مشاركته ، أو إيداعه ، أو معاملته ، أو غير ذلك ، أو مجاورته ،
ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله ، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة .
ومنها : إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع ،
أو فاسق يأخذ عنه العلم ، وخاف أن
يتضرر المتفقه بذلك ، فعليه نصيحته ببيان حاله ، بشرط أن يقصد النصيحة ، وهذا مما
يغلط فيه . وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد ، ويلبس الشيطان عليه ذلك ، ويخيل إليه
أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها : أن يكون له ولاية لا يقوم بها على
وجهها : إما بأن لا يكون صالحا لها ، وإما بأن يكون فاسقا ، أو
مغفلا ، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ، ويولي من يصلح ،
أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ، ولا يغتر به ، وأن يسعى في أن يحثه على
الاستقامة أو يستبدل به .
الخامس : أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته
كالمجاهر بشرب الخمر ، ومصادرة
الناس ، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما
يجاهر به ، ويحرم ذكره بغيره من العيوب ، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه .
السادس : التعريف ، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب
، كالأعمش ، والأعرج ، والأصم ، والأعمى ، والأحول ، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك ،
ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص ، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى ، فهذه ستة
أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه ، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة .
No comments :
Post a Comment