Wednesday, January 3, 2018

الغيبة



الغيبة :
     حرم الله تعالى الغيبه , وهى ذكر المسلم أخيه بما يكره فى غيابه , قال تعالى : " وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ", فقد نفر الله تعالى منها أبلغ وأشد تنفير , حيث صور الذى يغتاب بأنه يأكل لحماً وهذا اللحم ميتاً ليس هذا فحسب إنما هو لحم أخيه , والنفوس السليمة تجزع وتنفر من سماعه .
     وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عنها أيضاً , فعن أبى هريره – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما الغيبه ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم , قال : " ذكرك أخاك بما يكره " قيل : أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد إغتبته , وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته ".
     وعن أبى بكرة – رضى الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خطبته يوم النحر بمنى فى حجه الوداع : " إن دماءكم , وأموالكم , وأعراضكم , حرام عليكم كحرمة يومكم هذا , فى شهركم هذا , فى بلدكم هذا , ألا هل بلغت".
     وعن عائشه – رضى الله عنها –  قالت : قلت للنبى صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية كذا و كذا – قال بعض الرواة – تعنى قصيره – فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر  لمزجته " قالت : وحكيت له إنساناً فقال : " ما أحب أنى حكيت إنساناً وإن لى كذا وكذا " . 
     والغيبة من الامراض الخلقية والاجتماعية الخطيره , لها آثارها السلبية على الفرد والجماعة تورث الهم والغم والحزن , وتسبب الشعور بالقلق وعدم الإرتياح , من قبيل قول الشاعر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه***وصدق ما يعتاده من توهم
تفقد الإحترام وتذهب بالهيبة , لانشغال صاحبها بهفوات الناس وسقطاتهم , كما تنشأ العداوات والأحقاد وثير البغضاء والكراهية فهى تفرق بين الناس, وتورث العداوة والشحناء , كما أنها كشف للستور وإظهار للغيوب , وفضح للعيوب , لذلك فأثارها مدمرة من شأنها أن تقضى على المجتمع وتذهب بريحه , فكان من رحمة الله علينا أن حرمها وصور حرمتها بأبشع الصور .
     ولكن هناك حالات خاصه تباح فيها الغيبه .
     قال الامام النووى : اعلم أن الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها ، وهو ستة أسباب :
الأول : التظلم ، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممن له ولاية ، أو قدرة على إنصافه من ظالمه ، فيقول : ظلمني فلان بكذا .
الثاني : الاستعانة على تغيير المنكر ، ورد العاصي إلى الصواب ، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر : فلان يعمل كذا ، فازجره عنه ونحو ذلك ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر ، فإن لم يقصد ذلك كان حراما .
الثالث : الاستفتاء ، فيقول للمفتي : ظلمني أبي أو أخي ، أو زوجي ، أو فلان بكذا فهل له ذلك ؟ وما طريقي في الخلاص منه ، وتحصيل حقي ، ودفع الظلم ؟ ونحو ذلك ، فهذا جائز للحاجة ، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول : ما تقول في رجل أو شخص ، أو زوج ، كان من أمره كذا ؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين ، ومع ذلك ، فالتعيين جائز كما سنذكره في حديث هند إن شاء الله تعالى .
الرابع : تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم ، وذلك من وجوه :
منها جرح المجروحين من الرواة والشهود وذلك جائز بإجماع المسلمين ، بل واجب للحاجة .
ومنها : المشاورة في مصاهرة إنسان أو مشاركته ، أو إيداعه ، أو معاملته ، أو غير ذلك ، أو مجاورته ، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله ، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة .
ومنها : إذا رأى متفقها يتردد إلى مبتدع ، أو فاسق يأخذ عنه العلم ، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك ، فعليه نصيحته ببيان حاله ، بشرط أن يقصد النصيحة ، وهذا مما يغلط فيه . وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد ، ويلبس الشيطان عليه ذلك ، ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن لذلك.
ومنها : أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها : إما بأن لا يكون صالحا لها ، وإما بأن يكون فاسقا ، أو مغفلا ، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن له عليه ولاية عامة ليزيله ، ويولي من يصلح ، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله ، ولا يغتر به ، وأن يسعى في أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به .
الخامس : أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر ، ومصادرة الناس ، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما ، وتولي الأمور الباطلة ، فيجوز ذكره بما يجاهر به ، ويحرم ذكره بغيره من العيوب ، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه .
السادس : التعريف ، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب ، كالأعمش ، والأعرج ، والأصم ، والأعمى ، والأحول ، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك ، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص ، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى ، فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه ، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة  .

No comments :

Post a Comment