Friday, January 12, 2018

التكافل الاجتماعي



التكافل الاجتماعي: 
     يقصد بالتكافل الإجتماعى , ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم , مثل الجسد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "  .
 فالتكافل الإجتماعى بمفهومه الإسلامى يعنى أن تكون أفراد المجتمع متشاركين متضامنين مع بعضهم البعض , محافظين على مصالحهم العامة والخاصة , يدفعون عن بعضهم البعض المفاسد والاضرار, ليس فقط فى النواحى المادية , بل المعنوية أيضاً . 
     وتأتى فكرة الضمان الإجتماعى فى العصر الحديث , فى نهاية الحرب العالمية الثانية , من منطلق أن السلام الإجتماعى لا يمكن أن يتحقق فى حياة الشعوب إذا ترك الفرد يواجه محنه وشدائده وحاجته, دون أن يشعر بان المجتمع من حوله على إستعداد لمديد المعونة إليه وقت ضعفه ومحنته .
     ومن هنا يتضح الفرق بين التكافل الإجتماعى كما بينه القرآن الكريم , منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام مضت , كما فى قوله تعالى : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ " .
 فالتكافل الإجتماعى يعم كل فرد من أفراد المجتمع المسلم , طاعة لله ورسوله , وإبتغاء الثواب من الله , فى حين أن التكافل الإجتماعى الذى نادى به العرب قائم على رغبة الفرد , فهو تطوعى .
     كما أن التكافل الإجتماعى فى القرآن لايقتصر على المسلمين فقط , بل يتعداهم كل بنى الإنسان على إختلاف دياناتهم ومعتقداتهم ؛ ماداموا يعيشون بسلام داخل ذلك المجتمع , وليس بينهم وبين المسلم قتال ولا عداوات ؛ من إغتصاب للأموال والدور , فأولئك يشملهم التكافل الإجتماعى القرآنى , قال تعالى : " لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " .
     ومن أهم مظاهر التكافل الإجتماعى فى الإسلام , كفاية المحتاجين , من غذاء أو كساء أو إيواء , فقد جعل الله تبارك وتعالى كفايتهم فرض كفاية على الأغنياء , قال تعالى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ", وقال تعالى : " وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ".
 وهذه الآيات وغيرها تعنى بفريضة الذكاة , وفضل التصدق على المحتاجين وثمرته فى الدنيا قبل الآخرة , وأن الصدقة تكون فى السر وتكون فى العلن وأن صدقة السر أفضل من صدقة العلن أو الجهر , ومن واجبات المربى أيضاً أن يلقن الصغير ما جاء فى قوله تعالى : " الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ " .
 فالتكافل الإجتماعى فى الإسلام يعتبر أن المحتاج له حق الإعانة على الميسور , ومن ثم لاينبغى على الميسور أن يؤذيه بالقول أو بمجرد الإشارة , ولايمن عليه .
     ومن الوسائل الفعالة فى غرس التكافل الإجتماعى لدى الأولاد أن نعطيهم أموال الذكاة أو الصدقات , ليعطوها هم للمستحقين ونبين لهم حقيقة الأمر كما علمنا الله إياه , كما ينبغى للمربين أن يذكروا الأولاد بالفقراء والمحتاجين مع ظهور النعم وفى المناسبات مثل الأعياد , ففى عيد الفطر تأتى صدقة الفطر , وقدرها زهيد يستطيع تقريباً كل فرد أن يشارك بالتكافل الإجتماعى من خلالها , وفى الأضحى تأتى الاضحية , هكذا يكون المجتمع المسلم .
     كما لايقف التكافل على الجوانب المادية فقط بل يتعداه كما أسلفنا ليشمل جميع متطلبات الحياة , ومنها نشر العلم داخل المجتمع بين أفراده , وعدم كتمان العلم عمن يطلبه , ومن مظاهره أيضاً إعانة المحتاج , وإغاثة الملهوف .
     وإذا غرست أيها المربى فى نفس طفلك منذ نعومة أظفاره التكافل الإجتماعى كما بينه القرآن الكريم , وعلمته القناعة والرضا برزق الله , فقد أنشأت طفلاً صحيحاً نفسياً وإجتماعياً , فمعظم المشاكل التى تواجه الإنسان تكمن فى المال , فمن يحرص على إعانة الأخرين وحمل همومهم , فهو إنسان ينظر للمال على أنه وسيلة وليس غاية , والعكس فمن يعتبر المال غاية فى حد ذاته , هلك فى بحر الطمع والأنانية والبخل وأحاطت به الهموم والغموم وألمت به الأمراض والأسقام الجسدية والإجتماعية , وهلك معه من حوله من أفراد أسرته , فهو لايعتنى إلا بالمال وجمعه فقط , بالإضافة الفقراء والمساكين من أفراد مجتمعه , ولم يكترث هو فى جمعه عن حقوق غيره , فلا يضره أكان عن طريق أخذ أموال اليتامى أو بالنصب وظلم الناس .
     ولهذه الأثار المدمرة قال تعالى عن المال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ", وقال تعالى : " الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ", وقال تعالى : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ ".

1 comment :