Saturday, December 23, 2017

ركنا الاعتدال السياسي



ركنا الاعتدال السياسي:
   إن فهم الاعتدال السياسي في الإسلام بشكل واضح يتطلب تحديد المرتكزات الشرعية التي يرتكز عليها ، وهذه المرتكزات تستند إلى ركنين مهمين هما:
الركن الأول: الاستقامة :-
 ويقصد بها الاستقامة في الموقف والسلوك الدنيوي مع الطبيعة والمجتمع، والتزام تحقيق "الدنيا المحمودة" التي تقوم على أمرين هما:
الأول: توحيد الله ورؤية قدرته تعالى وربوبيته في الطبيعة وخيراتها، ووعي العناية الإلهية في تيسيرها للإنسان، وتمكين الإنسان منها بتزويده بالقدرات العقلية والجسدية المناسبة.
الثاني: مراعاة التوازن والاتزان، والعدل .. في الأخذ من الدنيا والاستمتاع بها، والتعامل مع الطبيعة ، فضلا عن ضرورة مراعاة الرفق ، والتسامح ، والعفو ، والمعرفة ، وقبول الآخر واحترام قناعاته الفكرية والاعتقادية والسياسية ، وأهلية تحمل المسؤولية ، والحفاظ على الكيان السياسي للدولة الإسلامية ، وعدم تمزيق وحدة المجتمع ، والابتعاد عن الطغيان والبغي والعدوان في العلاقة مع الناس – مجتمعاً وأفراداً.  
وتظهر أهمية هذا الركن في ميدان الحكم والإدارة –ميدان السياسة- من حقيقة أن الناس كما يقول أحد الباحثين: تبحث في الحاكم عن عدله الذي يرسخ الثقة بينه وبين المحكومين. ولا يمكن للعدل أن يسود بدون استقامة الحاكم  ، والتزامه بمنهج الاعتدال السياسي.
الركن الثاني: الوسطية والشهادة:-
   إن "الأمة الإسلامية بما هي حاملة لرسالة الإسلام عقيدة، وشريعة، وحضارة، وتجسيد لها ، تقف في المركز الوسط المتوازن، ويتمثل التوازن في المسيرة البشرية بين الإفراط والتفريط، وبين الإسراف من هنا ، والإسراف من هناك"، وهذه الوسطية أهلت الأمة الإسلامية لتمتاز إلى جانب وسطيتها بميزة الشهادة ، "..
فإن الشاهد يجب أن يكون منفصلاً ومتمايزاً عن المشهود عليه (بقية الأمم) ولكن لا يجوز أن يكون منغلقاً عنه، بل يجب أن يكون منفتحاً عليه، متواصلاً معه في آن واحد".
لذا تجد إنه في الوقت الذي يقول سبحانه وتعالى: } وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً..{ .
 فإنه سبحانه وتعالى يقول: } كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..{.
فوسطية الأمة وشهادتها، مقترنة في الآن نفسه بخيريتها وصلاحها ، يؤيد هذا الكلام، الفهم اللغوي لمفردة "وسط" في معاجم اللغة العربية حيث أن وسط الشئ: أفضله وأقواه ، كذلك وسط القوم أفضلهم وأشرفهم.
إن الاعتدال السياسي للمسلم –حاكماً ومحكوماً- لا يقصد به أن يكون في منتصف الطريق بين الخير والشر، أو بين الله سبحانه وتعالى والشيطان عليه اللعنة، بل هو دائماً وأبداً مع الله عز وجل، وفي مركز الحق والخير، ليؤهله ذلك لدور الشهادة.
وعليه يكون الاعتدال السياسي الإسلامي هو رديف الأخذ بأفضل الأفكار والرؤى والمعتقدات، والسبل وأنماط السلوك والمواقف السياسية ، لإدارة الدولة وإصلاح شؤون الناس، تعزيزاً للثقة بين السلطة والشعب.
  بناءاً على ما تقدم، يمكن تعريف الاعتدال السياسي في الإسلام بأنه: المنهج السياسي الإسلامي الذي يكون مرتكزا على الاستقامة والوسطية والشهادة في الدين والدنيا ، ومعتمدا النزعة الإصلاحية للسياسة في القيادة ، والحكم ، والإدارة ، بعيداً عن الغلو والتطرف من جهة ، وعن الابتذال والتقصير من جهة أخرى ، لبناء نظام حكم صالح يؤهل المسلمين ليكونوا الأمة الأكثر خيرية وسموا بين الأمم الأخرى.

المصادر:
- صايل زكي الخطايبة، مدخل إلى علم السياسة، ط1، الأردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2010.
- ناجي عبد النور، منهجية البحث السياسي، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2010.
- سلوى السعيد فراج وريمان أحمد عبد العال، مقدمة في العلوم السياسية، القاهرة، جامعة قناة السويس، بلا تاريخ نشر.
- باقر شريف القرشي، النظام السياسي في الإسلام، ط4، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1987.
-محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ط2، بيروت، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1999
- جعفر البناوي، التعايش في المجتمع الإسلامي: دراسة في العلاقات الإنسانية للمجتمع الواحد، ط1، بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، 1999
- معتز الخطيب، في نقد القول بالوسطية والاعتدال، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني : www.altasamoh.net

No comments :

Post a Comment