Saturday, December 23, 2017

الاستقامة وتعلقها بالاعتدال السياسي



الاستقامة وتعلقها بالاعتدال السياسي:
الاستقامة في القرآن شرطها الأساس هو التزام طريق الله تعالى –إقراراً وطاعة-  أما مظاهرها فهي:
أولا : اعتماد العقل السليم والمعرفة واللين والرحمة والموعظة الحسنة في دعوة الناس إلى هذا الطريق، كما في قوله تعالى: } ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ{، وهذه الآية ترشدنا إلى ما يلي:  
-  " إن الدعوة يجب أن تكون للحق خالصة من كل شائبة ، فأي إنسان يدعو إلى غير الحق فدعوته فساد وضلال ، وأعظم الناس جرما من اتخذ من الدعوة إلى الله والحق وسيلة لتدعيم جاهـه وكيانه ، كما يفعـل طلاب الزعامة والرئاسة من رجال الدين والدنيا.
-  أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومن الواضح أن قوام الحكمة العلم والعقل ، فبالعقل يميز الداعي بين الحق والباطل ، والخير والشر ، وبالشر يعرف أحوال المخاطبين والطريقة التي ينبغي أن يخاطبهم بها من اللين والشدة ، أما الموعظة الحسنة فمنها ، بل أحسنها ، أن يخاطب المرشد المخطئ بأسلوب يشعر منه تلقائيا أنه مخطئ ، ومن الحمق أن يفاجئه بالتأنيب والتوبيخ ، وقديما قيل : التلويح أبلغ من التصريح ..
-  الجدال بالتي هي أحسن ، وذلك بأن يكون الغرض منه إظهار الحق ، وإقناع المنكر ، لا مجرد إفحامه والتغلب عليه ".
وخاطبت هذه الآية فئات مختلفة من الناس ، وكل فئة بأسلوب مختلف في الدعوة إلى طريق الله وهذه الفئات هي :
-     الخاصة ، وتتم دعوتهم بالحكمة القائمة على البرهان والمقالة المحكمة ، أي بالغـة الحجة.
-  العامة ، وتتم دعوتهم بالموعظة الحسنة القائمة على الخطابات المقنعة والعبر النافعة ، التي لا يخفى عليهم أن الداعي ينصحهم بها وينفعهم فيها.
-  أهل الجحود والمعاندين ، وتتم دعوتهم بالجدال الحسن القائم على البرهان والحقائق الثابتة ، كحقيقة البعث بعد الموت على سبيل المثال ، والمعرفة العميقة لمن يجادل لا أن يكون جدالا خلافيا يجحد الحق ويضعفه ويثير الضغائن ويفرق الناس. وهذا ما لا يدركه الكثير من الدعاة والساسة في عالمنا الإسلامي في الوقت الحاضر ، عندما يتوجهون إلى شعوبهم بخطاب واحد لا يأخذ بنظر الاعتبار طبيعة المخاطب ومستوى وعيه وفهمه ، وكيفية رد فعله على هذا الخطاب ، فتكون نتائج خطاباتهم في أغلب الأحيان سلبية لا تصب في مصلحة بناء الدولة الإسلامية.
كما يتأكد هذا المنهج القرآني في قوله تعالى من سورة آل عمران: } فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ {.
وصحيح أن المخاطب هنا هو الرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) إلا أن الخطاب يشمل كل حاكم ومسؤول يتولى أمور الناس ، لذا نرى أن من مضامين هذه الآية الكريمة ما يلي:
-  أن يكون الحاكم والمسؤول متصفا بالرحمة غير جاف ولا قاس في قوله وقلبه وما يصدر من فعله ، فلا يضيق بجهل الناس وضعفهم ونقصهم ، ويحمل همومهم ، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء.
-  أن تكون سياسته مستندة إلى العفو وطلب المغفرة للناس ، إذ أن الآية نزلت بعد معركة أحد وما لحق فيها بالرسول (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) والمسلمين من ألم نتيجة تخلف البعض عن أمره عليه السلام ، لكن على الرغم من ذلك يخاطب سبحانه وتعالى نبيه الكريم ويدعوه إلى العفو عن المتخلفين وعدم معاقبتهم وطلب المغفرة لهم.
-  أن يعتمد نظام الحكم سياسة الشورى ونشر منطق المشاورة بين الحاكم والمحكوم تطييبا للنفوس ، وتأليفا للقلوب ، ورفعا لقدر الناس ، ليكون الحاكم قدوة لشعبه ، وقائدا لهم إلى دروب الخير ، علما أن ما تحققه الشورى من نتائج ستكون لمصلحة الجميع ، مما يدل على أن مبدأ الشورى مبدأ أساسي لا يقوم نظام الإسلام على أساس سواه .

المصادر:
- صايل زكي الخطايبة، مدخل إلى علم السياسة، ط1، الأردن، دار وائل للنشر والتوزيع، 2010.
- ناجي عبد النور، منهجية البحث السياسي، الأردن، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، 2010.
- سلوى السعيد فراج وريمان أحمد عبد العال، مقدمة في العلوم السياسية، القاهرة، جامعة قناة السويس، بلا تاريخ نشر.
- باقر شريف القرشي، النظام السياسي في الإسلام، ط4، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، 1987.
-محمد مهدي شمس الدين، في الاجتماع السياسي الإسلامي، ط2، بيروت، المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1999
- جعفر البناوي، التعايش في المجتمع الإسلامي: دراسة في العلاقات الإنسانية للمجتمع الواحد، ط1، بيروت، دار الخليج العربي للطباعة والنشر، 1999
- معتز الخطيب، في نقد القول بالوسطية والاعتدال، مقال منشور على الانترنيت على الموقع الالكتروني : www.altasamoh.net
- محمد بن الحسن الطوسي ، التبيان في تفسير القرآن ، تحقيق احمد حبيب قصير ألعاملي ، المجلد الثالث ، ط1 ، طهران ، مكتب الإعلام الإسلامي ،( 1987).
- سيد قطب ، في ظلال القرآن ،ط15 ، المجلد الثاني ، بيروت ، دار الشروق ، 1988.
- إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ، تفسير ابن كثير ، المجلد الأول ، بيروت ، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1986.
- محمد بن المرتضى الملقب بالفيض الكاشاني ، الصافي في تفسير القرآن ، المجلد الأول ، طهران ، المكتبة الإسلامية ، بلا تاريخ نشر.
- محمد جواد مغنية ، التفسير الكاشف ، المجلد الثاني ، ط1 ، بيروت ، دار العلم للملايين ،1968.

No comments :

Post a Comment