Sunday, December 24, 2017

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والاعتدال



الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والاعتدال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله هو القدوة والأسوة الحسنة لعموم المسلمين في كل زمان ومكان استناداً إلى قوله تعالى: } لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{.
وعند دراسة سيرته عليه السلام، تكتشف أنها تضرب مثلاً رائعاً في الاعتدال بإطاره العام والسياسي، فهو عليه السلام يحذر من اعتماد منهج التطرف والعصبية بكل أشكاله من خلال أحاديثه الشريفة، فقد ورد عنه قوله: "من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه"، وقوله: "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أعراب الجاهلية"، وقوله: "يا أيها الناس إياكم والغلوَّ في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"..
وهذا المنهج النبوي الرافض للتطرف بكل مظاهره وصوره، جعله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) يحث المسلمين على الرفق في الدعوة إلى الدين، والتزام منهج الاعتدال في العبادة، كما في قوله: "إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغضن إلى نفسك عباده الله.." ، وأن يكونوا دعاة خير ميسرين ومبشرين، كما في قوله عليه السلام: "إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين"، وقوله : "إن الله لم يبعثني معنتا ولا متعنتا، ولكن بعثني  معلماً ميسراً"، وقوله: "ما من عمل أحب إلى الله تعالى وإلى رسوله من الإيمان بالله والرفق بعباده، وما من عمل أبغض إلى الله تعالى من الإشراك بالله والعنف على عباده"..
 وستترك هذه الوصايا والأحاديث النبوية المعتدلة انعكاساتها على العمل السياسي الإسلامي سواء في الدعوة إلى الإسلام، أو إدارة الحكم والدولة الإسلامية تحت قيادته (صلى الله عليه واله وسلم) ، عندما جعل الانطلاق من الحق (قبول طريق الله) والحرص على الإنصاف والعدل فيه الأساس المتين للحكم والأسبقية والأفضلية ، كما ترى ذلك في قوله عليه السلام: "السابقون إلى ظل العرش طوبى لهم. قلنا يا رسول الله ومن هم؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: الذين يقبلون الحق إذا سمعوه ويبذلونه إذا سألوه، ويحكمون للناس كحكمهم لأنفسهم. هم السابقون إلى ظل العرش"، وقوله عليه السلام: "اللهم من ولي من أمر أُمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أُمتي شيئا فرفق بهم فأرفق به".
والولاية هنا عامة تبدأ من ولاية الإنسان على نفسه وأسرته لتنتهي بولاية الحكم والإدارة العامة للدولة ، فوجود الرفق في هذه الولايات هو العنصر المهم لخلق القبول المتبادل بين أطرافها، وإذا كان الرفق مهما في الولاية الأسرية الضيقة والمحدودة، فهو في ولاية الحكم والإدارة العامة ألزم وأكثر توكيداً، وقد مارسه الرسول (صلى الله وعليه وآله وسلم) بأجمل صوره، فقد كان عليه الصلاة والسلام وهو رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، وحاكم الدولة الإسلامية الأولى، يتقبل الرأي السياسي المعارض لدعوته والمشكك بالشرعية السياسية للدولة ، ويتعامل معه بحكمة واتزان ورفق من خلال الحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، وصولا إلى الحق, فقد روي عنه عليه السلام أنه حاور في مجلس واحد ممثلي خمسة أديان: اليهود ، والنصارى ، والدهرية ، والثنوية، ومشركوا العرب ، وكان حواره بلا عنف، أو سخرية ، أو تنازل عن الحق الذي جاء به الإسلام.
وهذا الاعتدال السياسي النبوي هو الذي سمح لطرف سياسي - عقائدي معارض كيهود بني قينقاع أن يحاوروه بكل حرية قبل غزوهم من قبل المسلمين، بل ويتطاولون عليه بالكلام وهم يعلمون انه سوف يسمع قولهم ، ويرد عليهم بالحق قائلاً: "يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة، وأسلموا فقد عرفتم إني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم.." ، كما يظهر اعتداله السياسي عليه السلام مع نصارى نجران في حادثة المباهلة المشهورة، فبعد أن امتنع النصارى عن المباهلة لم يكن رده عليهم بالعنف والإقصاء والتطرف، بل حاورهم وحاوروه بالقول: "يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا، قال: فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم، فأبوا، قال: فإني أناجزكم، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحكم على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة : ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعا عادية من حديد.. فصالحهم على ذلك..".
المصادر:
- محمد بن يعقوب ، أصول الدعوة، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة للمطبوعات، 200.
- صالح بن غانم السدلان، مفهوم الغلو في الكتاب والسنة .
- عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد.
- ناصر بن عبد الله الميمان، مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها .
- محمد الحسيني الشيرازي ، فقه السلم والسلام، ط1، بيروت، مركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للتحقيق والنشر، 2004.
- سليمان بن إبراهيم العايد، مظاهر الوسطية في الإسلام.
- عبد الملك بن هشام ألمعافري، السيرة لنبوية، المجلد الأول ، بيروت ، الكتاب العالمي للنشر، 2008،.
-حسن السعيد، الإسلام والرأي الآخر: تجربة الإمام علي نموذجاً، ط1، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، 2003.

No comments :

Post a Comment