Saturday, December 23, 2017

تنامي مشاعر التدين



تنامي مشاعر التدين :
يشهد العالم في مطلع القرن الحادي والعشرين ظاهرة فريدة من نوعها تتمثل في تنامي مشاعر التدين لدى جميع المجتمعات ومن كل الثقافات كرد فعل على ما تشهده الهويات الثقافية والحضارية من تحديات خطيرة أفرزتها العولمة بمختلف مظاهرها لاسيما الثقافية منها ، فأصبح التدين يمثل مظهرا من مظاهر الاحتماء الذاتي للمجتمعات تحافظ من خلاله على هويتها المستقلة ، باكتسابها الشعور الجمعي الرابط بين أبناء الدين الواحد.
إن تنامي نزعات الانشقاق والتململ الثقافي في مناطق العالم ذات الهويات الثقافية المتنوعة ما هي إلا دليل على هذه الظاهرة التي سوف تتصاعد مدياتها كما ونوعا في المستقبل لتتخذ أحيانا صورا منتظمة تثري العلاقات الإنسانية عندما تسود قيم التعقل وقواعد الحوار البناء ونزعة الحفاظ على الوحدة الإنسانية.
 وفي أحيان أخرى قد تكون الصورة معكوسة عندما تسود القيم البربرية والثقافة البدائية فتحكم العلاقة بين التنوعات الثقافية وتكون النتيجة صراعات دموية شديدة الخطورة تصدم المجتمعات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين .
ونحن في عالمنا الإسلامي بدأنا منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي نتلمس ظاهرة التدين المتنامية في أوساطنا الاجتماعية .
 لكن وتيرة هذه الظاهرة تسارعت في السنوات الأخيرة لاسيما بعد إفلاس المشروع القومي العربي ، وعدم  تحقيق نهاية مقنعة للصراع العربي - الإسرائيلي  ، وتحول أنظمة الاستقلال وما بعد الاستقلال إلى أشكال مفزعة من الدكتاتورية الصارمة والدولة البوليسية الفاسدة ، لتكون النتيجة (ثورات الربيع العربي) التي ركب الموجة فيها التيارات الإسلامية على اختلاف رؤاها الفكرية ومنطلقاتها الثقافية.
وقد أفرزت السنوات الأخيرة أشكالا مفزعة من العنف بين قوى الإسلام السياسي جعلت الكثير من الناس يتخوفون من مستقبل هذا الصراع وانعكاساته على الشعوب الإسلامية.
وهذه المؤشرات تثير القلق وتقتضي استحضار الجانب المشرق والإنساني من ثقافتنا الإسلامية لتحكيمه في صراعاتنا الحالية والمستقبلية ، وجعله أساسا مقدسا ترتكز عليه أحكامنا المستنبطة وفتاوانا الشرعية من اجل تخفيف حدة الصراع بين المسلمين أنفسهم ، وبينهم وبين غير المسلمين وبما يدفع موجة التغيير المتصاعدة بالاتجاه الصحيح الذي يقود لبناء دولة مدنية أسلامية في أطروحاتها ومبانيها الفكرية ، وعصرية في استيعابها للتنوع الإنساني ، والتطور الحضاري، والمخرجات التقنية الرائعة للألفية الثالثة .

No comments :

Post a Comment