Sunday, December 24, 2017

مظاهر ومواقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الاعتدال



مظاهر ومواقف الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في الاعتدال:
  يتكرر الاعتدال السياسي النبوي في قصص أخرى كثيرة منها: قصة مربع بن قيظي، وهو رجل منافق ضرير البصر يمر به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه مع أصحابه، فيقوم يحث التراب في وجوههم، ويقول: "إن كنت رسول الله، فإني لا أحل لك أن تدخل حائطي، وقد ذكر.. إنه أخذ حفنه من تراب في يده ثم قال: والله لو أعلم إني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك، فابتدره القوم ليقتلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوه فهذا الأعمى أعمى القلب، أعمى البصر".
وقصته صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه مع عبد الله بن أبي سلول زعيم المنافقين في المدينة معروفة ، فعندما تطاول هذا المنافق على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه  ما كان رد الرسول وهو حاكم دولة المدينة الناشئة على من أراد قتل أبن أبي سلول إلا بالقول: "بل نترفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا".
 كذلك قصته عليه السلام مع الإعرابي الذي وقف على رأسه الشريف شاهراً سيفه راغباً بقتله ، فما كان منه عليه السلام بعد أن أخذ السيف من الإعرابي إلا أن قام بإطلاق سراحه، بعد أن قبل قوله في أن لا يقف مع عدو له، دون أن يجبره على اعتناق الإسلام، فكان هذا السلوك النبوي المعتدل سبباً في إصلاح الإعرابي ودخوله وقومه دين الإسلام.
كما يتعامل عليه السلام بنفس الأسلوب مع عمير بن وهب قبل إسلامه، فقد ذهب عمير هذا إلى المدينة لقتل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه، وقد علم الرسول بنيته، لكنه تعامل معه بالحسنى فحاوره ، وحاججه بالرفق واللين فما كان منه إلا أن أشهر إسلامه.
 وفي السنة السادسة للهجرة النبوية، تتجلى عظمة النزعة الإصلاحية المعتدلة عند الرسول في صلح الحديبية، عندما قبل من سهيل بن عمرو أن يشطب من كتاب الصلح عبارة رسول الله ، ويجعل الكتاب بالشكل الآتي: ".. هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو..". فكانت نتيجة هذا الصلح هو دخول عدد كبير من الناس في الإسلام يفوق عدد من دخله بطريق الحرب والسيف.
   ومن مظاهر الاعتدال السياسي النبوي الأخرى، قصة ذو الخويصرة، وهو رجل من تميم يأتي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه، وهو يوزع العطاء على الناس، فيقول: "يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أجل كيف رأيت؟ قال: لم أرك عدلت؟ .. فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال: ويحك إذا لم يكن العدل عندي، فعند من يكون؟ فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله ألا أقتله؟ فقال: لا، دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل فلا يوجد شيء..".
وفي السنة العاشرة للهجرة النبوية يدخل المسلمون إلى مكة منتصرين على مشركيها بعد طول صراع، فما كان من الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلا أن حفظ كرامة خصومه وأعداءه أمام قومهم، فجعل لأبي سفيان عدو الإسلام الأول نصيباً من الكرامة عندما قال: ".. من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن..". ويقبل عليه الصلاة والسلام إجارة  أم هانئ بنت أبي طالب في أثنين من المشركين بعد أن دخلا دارها بالقول: "أجرنا من أجرت، وآمنا من آمنت..". ولا يقهر صفوان بن أمية المشرك المعروف على اعتناق الإسلام، بل يعطيه أربعة أشهر ليقرر اعتناق دين الإسلام من عدمه.
   إن هذه الأحاديث والقصص، التي نجدها في سيرة سيد المرسلين لا تدع مجالاً للشك في أن الاعتدال السياسي هو المنهج المتين الذي قامت عليه الدعوة، ونظام الحكم في الإسلام، وكيف لا يكون الأمر كذلك.
وقد سبق الحديث عن اعتداله عليه السلام ظهوره بوقت طويل، فقد قال عنه السيد المسيح عليه السلام ما نصه: "لذلك أقول لكم إن رسول الله بهاء ويسر كل ما صنع الله تقريباً لأنه مزدان بروح الفهم والمشورة، روح الحكمة والقوة، روح الخوف والمحبة، روح التبصر والاعتدال، مزدان بروح المحبة والرحمة، وروح العدل والتقوى، وروح اللطف والصبر التي أخذ منها من الله ثلاثة أضعاف ما أعطى لسائر خلقه..".
 وهذه الصفات التي وصف بها هذا النص المقدس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه تمثل جوهر منهج الاعتدال السياسي في الإسلام، إذ تجعل سيرته القولية والفعلية والتقريرية تتطابق مع ما تقدم من حديث عن الاعتدال السياسي في النص القرآني.
ولكن لا بد من الإشارة إلى أن هذا المنهج له ضوابط معينة عند الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه، يجب مراعاتها عند العمل به تتمثل بما يلي :
-     ضرورة الالتزام بطريق الحق وهو طريق الله بما فيه من أمر ونهي .
-     اعتماد الرفق والتسامح والتيسير في دعوة الناس إلى هذا الطريق .
-  جعل الحوار الهادئ البناء ، والمقالة المحكمة ، والحجة البالغة أساس التفاهم مع المخالفين من أهل الأديان المختلفة ، مع التأكيد على احترام قناعاتهم طالما تأخذ الإطار السلمي ، ولا تشكل تهديدا للكيان السياسي للدولة الإسلامية ، ليكونوا شركاء فاعلين في المجتمع . أما عندما يتجاوز هؤلاء على هذه الضوابط فأنهم يصبحون متجاوزين للحد ومتطرفين في مواقفهم السياسية بحيث يتحتم على القيادة السياسية العليا للدولة أن تتخذ الوسائل الكفيلة بحفظ النظام العام ، والدليل على ذلك تعامل الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه مع يهود المدينة على سبيل المثال بعد غدرهم بمجتمعهم السياسي.
-  إن العفو عن الرأي المعارض هو السياسة الحكيمة التي من خلالها يتم تأليف القلوب وجمع الكلمة لبناء الدولة في الإسلام ، لاسيما عندما لا يشكل هذا الرأي تهديدا مباشرا لكيان الدولة، ولحقوق وحريات مواطنيها.
النزعة الصلاحية تتقدم على نزعة الانتقام والتعصب في المواقف السياسية ، لأن لها نتائج ايجابية تصب في مصلحة السلم المجتمعي ، والتعايش بين المكونات الاجتماعية المختلفة.
المصادر:
- محمد بن يعقوب ، أصول الدعوة، ط1، بيروت، مؤسسة الرسالة للمطبوعات، 200.
- صالح بن غانم السدلان، مفهوم الغلو في الكتاب والسنة .
- عبد الرحمن بن زيد الزنيدي، سماحة الشريعة في التعامل مع الواقع للدول والأفراد.
- ناصر بن عبد الله الميمان، مفهوم السماحة واليسر في الكتاب والسنة وأدلتها .
- محمد الحسيني الشيرازي ، فقه السلم والسلام، ط1، بيروت، مركز الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم للتحقيق والنشر، 2004.
- سليمان بن إبراهيم العايد، مظاهر الوسطية في الإسلام.
- عبد الملك بن هشام ألمعافري، السيرة لنبوية، المجلد الأول ، بيروت ، الكتاب العالمي للنشر، 2008.
-حسن السعيد، الإسلام والرأي الآخر: تجربة الإمام علي نموذجاً، ط1، بيروت، دار الهادي للطباعة والنشر والتوزيع، 2003.
- حسن الجمل، السلم في الرسالات السماوية، مقال منشور في كتاب السلم واللاعنف م، ط1، دمشق، مركز الفردوس للثقافة والإعلام، 2008.
- أنجيل برنابا، ترجمة خليل سعادة، (القاهرة)، مطبعة المنار، (1958).

No comments :

Post a Comment